كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[النسبة في تسمية القدرية]

صفحة 10 - الجزء 2

  وإن كذبنا لم يجز إجراء هذا الاسم علينا، وصار الحال فيه كحال من أثبت الصناعة لنفسه ولا علم له بها ولا معرفة البتة، فكما أنه لا يستحق بذلك أن يسمى صانعاً كذلك في مسألتنا، ولأن إثباتنا لأنفسنا القدرة إن كان فعلنا خرج القوم من مذهبهم بتسليم ذلك، وإن كان من فعل الله تعالى فما أثبتنا حتى نستحق به الاسم الذي راموا به إلزامنا.

  فإن قالوا: هلا رضيتم منا بمثل هذا الكلام.

  قلنا: ولا سواء؛ لأنا سميناكم القدرية لقوله ÷: «القدرية مجوس هذه الأمة» وقد بينا مضاهاة مذهبكم لمذهب المجوس من الوجوه التي قدمناها، فكنتم أحق بهذا الاسم، ولأن الاسم اسم نسبة ووجوه النسبة كلها مفقودة سوى اللهج بالقضاء والقدر، والذين يلهجون بذلك ليس إلا أنتم فاستحققتم هذا الاسم لا محالة على ما قدمنا ذكره.

  فإن قالوا: أنتم القدرية من هذه الأمة فمذهبكم الذي يضاهي مذهب المجوس حيث أثبَتُّم فاعلين صانعين، كما أنهم أثبتوا فاعلين أحدهما النور والآخر الظلمة.

  قلنا: مذهبنا هذا لا يضاهي مذهب المجوس، فلسنا نثبت على الحد الذي أثبتوه؛ لأن القوم جعلوا النور فاعلاً للخير بطبعه على حد لا يمكنه مفارقته، والظلمة فاعلة للشر بطبعها على حد لا يصح منها الانفكاك منه، وليست هذه حالنا؛ فإننا إنما أثبتنا فاعلين يفعلان على طريقة الاختيار، وإثباتهم للفاعلين على وجه الاضطرار، وهم أيضاً يثبتون الفعل الواحد من فاعلين: أحدهما محدث، والآخر قديم، ولا يقول بذلك إلا هم من بين الفرق المضافة إلى الإسلام.

  وعلى أن مذهبنا إن كان يشبه مذهب المجوس من هذا الوجه، فهذا شَبَهُ مذهبهم من وجوه كثيرة، والحكم للأكثر فهو مشبه لمذهب المجوس والنصارى؛ فالكل يوافقونا على أن هذه الأفعال تتعلق بنا ونحن الموجدون لها،