كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

خطبة رسالة فقيه الخارقة والرد عليها

صفحة 15 - الجزء 2

  وبيان ذلك: أنهم يقولون: إن الله تعالى خلق أكثر الخلق وأوقعهم في الكفر من غير سبب سابق منهم، ولا جرم متقدم لهم، وأمر بقتلهم في الدنيا عقاباً لهم على شيء خلقه فيهم، وأعد لهم في الآخرة عذاب النار، فصار بمثابة من اشترى عبداً صغيراً ثم يأمر بتقييده ابتداء بغير جناية منه سابقة، ولا خطيئة متقدمة، ثم أخذ يذمه على كونه مقيداً، وأمر بقطع يده لأجل ذلك؛ فلما رأى يده مقطوعة أغلظ عليه التعنيف واللوم بسبب كونه مقطوع اليد، ثم أمر بضرب عنقه على ذلك، وفي كل هذه الأحوال لم يجن العبد جناية ولم يقترف جرماً.

  ولا شك أن واحداً إذا ظن في غيره هذه الظنون فلم يبق من سوء الظن غاية وراءها، والمضيفون إلى الله تعالى هذه المعاصي يظنون بالله هذه الظنون؛ فمجالستهم تكسب الجليس ذلك، فيشقى بهم جليسهم، فبان بهذا أنهم القدرية المنهي عن مجالستهم.

  ومما يحقق في هذه الجملة: أن النهي عن مجالستهم لا بد من أن يكون له معنى وفائدة وهي أن يمتنع الناس عنها، ولا يختاروا إيجادها، فلو كانت أفعال العباد خلقاً من الله سبحانه توجد فيهم لكانت مجالستهم خلقاً لله تعالى، وكذلك الكلام القبيح الذي يسمعونه عند المجالسة، وكذلك السلام عليهم، وعيادة مرضاهم؛ فإذا كانت هذه الأشياء خلقاً لله تعالى لم يكن للنهي عنها فائدة أصلاً.

[بداية خطبة فقيه الخارقة والرد عليها وتوضيح تناقضاته]

خطبة رسالة فقيه الخارقة والرد عليها

  قال [فقيه الخارقة] في أول خطبة رسالته: «الحمد لله الذي نور قلوب العارفين بأنوار معرفته، وسخر الكواكب جارية في بروج الأفلاك بقدرته، وفاضل بين رتب العالمين في مواهبه وقسمته».

  والكلام عليه في هذه الجملة:

  أما قوله: «الحمد لله» فهو كلام حق، وقول صدق، لكن يجب أن لا ينقضه، وبيان ذلك: أن الحمد جارٍ مجرى الشكر في أكثر أموره، وذلك إنما