[بداية خطبة فقيه الخارقة والرد عليها وتوضيح تناقضاته]
  في المقدور السابق من سعادته وشقوته» فالكلام عليه في ذلك: أنه هاهنا أفصح بأن الله تعالى خلق بعض عبيده للشقاوة، وذلك مخالف لأدلة العقول ومحكم الكتاب.
  أما دلالة العقل: فلأنه تعالى لو ابتدأ خلقهم للعذاب وكان ذلك مراده سبحانه وغرضه لكان ظلماً والظلم قبيح، والله لا يفعل القبيح.
  أما إنه يكون ظلماً، فلأنه يكون ابتداء بالضرر الخالص الذي ليس فيه نفع يجبره، ولا دفع ضرر أوفى منه، ولا هو من باب المُسْتَحَقِّ على فعل متقدِّمٍ يستوجبه به، وذلك هو معنى الظلم؛ لأن حد الظلم في صحيح العبارة: أنه الضرر الذي ليس فيه نفع للمضرور أعظم منه، ولا دفع ضرر أعظم منه، ولا استحقاق بسبب مقدم من جهته، ولا الظن للنفع أو الدفع إذا كان الضرر من المخلوقين.
  والدليل على صحة هذا الحد: أن من عرف الضرر بهذه الصفات عرفه ظلماً، ومن لم يعرفه كذلك لم يعرفه ظلماً؛ ألا ترى أن من جوّز فيه نفعاً يوفي عليه، أو دفع ضرر أعظم منه، أو استحقاقاً لمن نزل به ذلك، أو ظن ذلك - لم يعرفه ظلماً، ومتى عَلِمَه على ما وصفنا عَلِمَه ظلماً؛ فلو كان ظلماً لأمر سوى ما ذكرنا لجاز أن تجتمع هذه الأوصاف في الضرر ولا يعلم ظلماً، بأن لا يحصل ذلك الأمر الذي يكون لأجله ظلماً، أو يحصل ذلك الأمر الذي به يكون ظلماً من دون هذه الأوصاف، ومعلوم خلاف ذلك، ولهذا فإنَّا متى رأينا رجلاً يقطع يد آخر فإنا لا نقضي بكون ذلك القطع ظلماً حتى نبحث عن حقيقة الأمر؛ فإن كان لدفع مضرة عنه أعظم منه، كالعلة التي تصيبه متى لم تقطع اليد سرت الآفة إلى سائر جسده فإنه لا يقطع بكون القطع ظلماً؛ لأن فيه دفع ضرر أعظم منه، وكذلك إن كان باستحقاق كأن يكون قصاصاً أو حداً، وكذلك فإنه يحسن تحمل المشاق