كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بداية خطبة فقيه الخارقة والرد عليها وتوضيح تناقضاته]

صفحة 19 - الجزء 2

  الصعبة وتحميلها من يريد⁣(⁣١) أمره لدفع ضرر أو لطلب نفع مظنون أو معلوم من تجارة أو تعلم ما يعود عليه نفعه في دين أو دنيا وما أشبه ذلك.

  وقد ثبت أن الظلم قبيح، وإنما قبح لكونه ظلماً بدليل: أن من عرفه ظلماً عرف قبحه، ومن لم يعرفه ظلماً لم يعلم قبحه، وقد بطل، وَقَلَّ من يجعل الظلم قبيحاً سوى⁣(⁣٢) ذلك من كونه مربوباً أو مخلوقاً؛ لأن ذلك يوجب أن تكون جميع أفعاله ظلماً قبيحاً؛ لأن حدوثنا وكوننا مربوبين مع سائر الأفعال على سواء فكان لا يحسن منا فعل أصلاً، وكان يجب أن لا يعلم الظلم قبيحاً إلا من عرف أن فاعله محدث مربوب؛ لأن العلم بقبح الفعل فرع على العلم لما له قبح إما على جملة أو تفصيل، على أن هذا يوجب أن لا يقبح من الله تعالى التفرد بالظلم والكذب، وأن لا يأمنوا فعله، ولا يقبح منه عقاب الأنبياء وثواب الفراعنة، وإظهار المعجز على الكاذب، والأمر بالقبيح والنهي عن الحسن، وكل ما ذكرنا يلزم كل من جعل النهي علة في القبح أيضاً.

  ويلزم لو نهى أحدنا عن العدل أو أمر بالزندقة أن يُقَبِّحَ العدل ويُحَسِّنَ الزندقة؛ لأن حكم العلة لا يختلف باختلاف الفاعلين، كما قلنا في الحركة فإنها توجب كون الجسم متحركاً من أي فاعل كان، ولأن أفعالنا لو كانت أفعال الله حقيقة كما ذهبوا إليه، وأمَرْنا بالزندقة ونَهَيْنَا عن الطاعة الصحيحة لكان من امتثل أَمَرنا قد امتثل أَمْرَ الله تعالى، ومن خالفنا خالف الحكيم سبحانه وتعالى وهذا ما لا يدين به مسلم، فما القول فيما أدى إليه؟!

  ويلزم لو نهى تعالى عن الإنصاف أن يقبح وذلك باطل، وكذلك إذا جعل قبح الظلم بكون فاعله مأموراً، أو من حدت له الحدود على ما سيأتي في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى.


(١) يدبر (نخ).

(٢) لعله: لسوى. تمت.