[الرد على تفسير الفقيه للظلم الذي نزه الله تعالى عنه، والرد على بقية كلامه]
  العباد؛ فإن أحداً منهم لا يفعل الفعل إلا فيه أو بسبب فيه، فاعلم ذلك وتدبره تعلم صحة ما ذكرنا من أنها لا تقاس أفعاله على أفعالهم.
  وكذلك قوله [أي الفقيه]: «لا تقاس ذاته على ذواتهم».
  فالكلام عليه: أنه إن أراد ما يحتمله ظاهر اللفظ فهو صحيح؛ فإنه تعالى قديم، وسائر الموجودات محدث، وهو تعالى قادر لا يعجز وعالم لا يجهل، وحي لا يموت، وغني لا يحتاج، ومتفرد بالإلهية لا يشاركه فيها مشارك، وسائر ما يوصف به العباد من ذلك لا يصح فيه شيء مما ذكرنا.
  وإن أراد أن من وصف أحداً من الخلق بأنه قادر فقد قاسه على الباري سبحانه وتعالى، وكذلك في العلم والإرادة والحياة وغيرها - فالجواب عنه: أن ذلك لا يدل على مماثلة؛ لأن المماثلة بصفة الذات بشرط الاشتراك فيها، وسائر ما يثبت للقادرين من هذه الأمور ليست بواجبة لهم، بل هي أمور مفتقرة إلى ما له سبب من علم وحياة وقدرة وفاعل، وهل هذا إلا شبيه بما ألحَدَتْ فيه الباطنية، وإن كان على عكس هذا الوصف بأن قالوا: لا نصف الله تعالى بأنه قادر ولا عالم ولا حي ولا موجود، قالوا: لأن ذلك يقتضي مماثلة المخلوقين، ثم زادوا على هذه الجهالة جهالة أعظم منها، فقالوا: ولا ننفيها عنه تعالى فندخل في التعطيل بل لا نقول: قادر ولا لا قادر، ولا عالم ولا لا عالم ... إلى سائر الصفات؛ فانظر كيف دُفِعْنَا إلى الكلام مع الفريقين، أحدهما يقول: إن الله تعالى تفرد بجميع الصفات؛ فمن وصف بشيء منها فقد أشرك سواء كان وصفاً له بأمر واجب أو جائز، والآخر يقول: إنه لا يثبت للباري تعالى شيئاً من الصفات؛ لأن إثباتها له يوجب الشركة وهما أمران متباينان، وكان وجه الغلط من الجميع الجهل بما تقع به المماثلة والمخالفة.