[كلام فقيه الخارقة حول السنة والجماعة والجبرية وبقية المفاهيم والرد عليه]
  فحكمه وحكم قول صاحب الخارقة واحد؛ فما الموجب لذم أحد فعلي الباري دون الآخر، وهو لا يفعل ما يذم؛ لغناه وحكمته، على أن الكلام عليه من جنس ما قدمنا إن أراد أنه يتبع من المنقول من كتاب أو سنة ما وافق أدلة العقول السليمة، والآيات المحكمة من القرآن الكريم؛ فهو قول صحيح.
  وإن أراد أن يجعل الشرع مقدماً على العقل أو يذهب إلى أن العقل ليس بحجة فهو قول باطل، وسنذكره بعد هذا الفصل إن شاء الله تعالى.
  وأما قوله: «فاعتقدوا أن للعبدة قدرة واختياراً وحركة في أفعاله لا اضطراراً».
  فالكلام عليه: أن هذا لفظ صحيح إن بقي عليه، وهو هادم لأصول أهل الإجبار إذ لا يجتمع القول بالجبر والاختيار؛ لأن المجبور ممنوع من خلاف ما أُجبر عليه، والفعل مضاف لجابِرِه لا إليه، والمدح والذم عائد عليه.
  والاختيار يكون مع التمكين من الفعل وخلافه {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: ٢٩]، وذلك إنما يصح إذا كانت الأفعال من العبيد والقدرة المخلوقة لهم غير موجبة للمقدور، ويتمكن بها من أن يفعل الخير والشر، ومن أن يفعل وأن لا يفعل.
  وإن كان يقول: إن الله تعالى خالق لأفعال العباد الصلاح منها والفساد والغي والرشاد؛ فأين الاختيار هاهنا؟ وأين بقي للاختيار والاضطرار معنى أكثر من هذا؟ على ما ستجده مُسْتَقْصَاً في موضعه إن شاء الله تعالى.
  على أنه قد أفصح عقيب هذا بما يدل على المعنى الأخير الذي ناقض فيه بقوله: «غير أن مشيئته وإرادته منوطة بمشيئة الله وإرادته» فرجع إلى أنه لا يقع من العباد إرادة أو مراد إلا ما تقدمته إرادة الحكيم، وأن تلك الأفعال وقعت لإيجاب إرادة القديم لها؛ فكيف يبقى لإضافتها إلى اختيار العبد معنى على هذه القاعدة؟! وكيف لا ينتبه على هذه المناقضة عن قرب؟!