كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ظهور الردة]

صفحة 79 - الجزء 2

  قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ٥٢ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ٥٣}⁣[الذاريات].

  وأما إكراهه على البيعة؛ فنحن نروي في ذلك ما لا يمكنه دفعه إلا بالمباهتة التي هي طريقه، وسنحكي قصة الرواية في إكراه أمير المؤمنين # على البيعة في موضعه إن شاء الله تعالى.

  وأما قوله: «أو نفاقه ومداهنته» والنفاق اسم لمن يبطن الكفر ويظهر الإيمان وحاشاه من ذلك؛ فأما من أبطن الإيمان وأظهر الكفر فليس بمنافق في شرع الإسلام إن كان من أهله، وقد قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}⁣[النحل: ١٠٦]، وكذلك الكلام في المداهنة.

  وأما قوله: «فكيف يرضا بذلك الفتى القمقام بأن يهضم أو يضام، وفي يده ذلك العضب الحسام، والأبطال عند غضب ذلك الهمام تفزع من هيبته» فأما مديحه له فهو أهل لذلك وفوق ما ذكره، ولم يرض - كما ذكرنا وبيَّنا - ولكنه أطرق إطراق الشجاع، فلو يجد مصالاً لنابيه الشجاع لصمما⁣(⁣١)، وليس بمنكر ظهور الكثير على القليل وإن كان في القليل النجدة والشجاعة فقد حصرت بنو هاشم في الشعب وقهروا وهم ذروة قريش وسادتها وفيهم النبي ÷ الذي لا يقادر قدره في شجاعته وعلي بن أبي طالب #، وليوث عمومته ومن اللحن الجاري على ألسن العرب الكثرة تغلب النجدة، وقال شاعرهم:

  أعاذل لو كانوا إليكم لقوتلوا ... ولكن أتانا كل حر وحايل


(١) قال في مجمع الأمثال: أَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ: يعني الحيَّةَ، يضرب للمفكِّرِ الداهي في الأمور. قال المتلمس:

وأطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاع، ولَوْ رَأَى ... مَسَاغَاً لنَابَيْهِ الشُّجَاعُ لَصَمّمَا

انتهى منه. وتصحيح كلمة (لصمما) منه.