[الرد على دعوى أن نسبة الأفعال إلى العباد تؤدي إلى مماثلتهم لله - وغير ذلك]
  فاعلاً لفعله واستدلاله بقوله تعالى {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ١٤}[المؤمنون].
  فالجواب عن جميع ذلك قد سبق حيث ابتدأ به في أثناء الخطبة؛ فلا وجه لإعادته، وسيأتي مزيد بيان عند تكراره لجنسه؛ فقد صار يردد ذلك في كلامه مع قلة محصوله، وكثرة تدافعه وتناقضه؛ لأنه يورد ألفاظاً يعلم معناها بالعقل فيدعي في مواضع أن العقل لا يعرف به شيء بل السمع هو المعتمد، وتارة يدعي جهالة من ينفي الأفعال عن العبيد ويضيفها أجمع إلى الواحد الحميد، وتارة يستدل بزعمه على أن الله تعالى هو محدث الأفعال جميعها حسنها وقبيحها ومريد لها لا فاعل لها غيره، وتارة يقول: إن العبد لا مجبر ولا مخير بل هو أمر بين الأمرين، وادعا أنه أمر بين الأمرين، وقال: يدق عن أفكار المعتبرين(١)، ويحير
(١) قال ¥ في التعليق: ولذا أقر التفتازاني واعترف بصعوبة إيضاح معنى الكسب. وصرح الجويني في مقدمات كتابه (البرهان) بأن الكسب تمويه. وقال الغزالي كما نقله عبدالوهاب الشعراني: لا تعرف مسألة الكسب لا في الدنيا ولا في الآخرة. وقال ابن عربي: مكثت ثلاثين سنة أبحث عنها ولم أعرفها، نقله عن الشعراني في (عقائد الأكابر)، أفاد هذا إسحاق العبدي في (الاحتراس). فهذا قول أكابر الأشعرية، ومع هذا فهم يقولون: يمدح الفاعل ويذم كما يمدح صاحب الجمال ويذم المبروص، قاله الكرماني في (شرح البخاري) ونسوا أن الحمد لا يكون إلاَّ على الجميل الاختياري وكذا اللوم.
وقال الكرماني فإن قلت: فلم يحكم بأنه يثاب ويعاقب؟ قلت: لأنه علامة لهما.
فانظر إلى جعلهم الوعد والوعيد إنما هما علامة للثواب والعقاب كالرعد والبرق علامة للمطر، وهذا محض الجبر، ولم يلتفتوا إلى الاعتذار بالكسب وإن عدلوا إليه عندما يلزمهم من القول الشنيع فإنما هو تستر وتمعذر بما لا حقيقة له.
وقال الرازي في (مفاتيح الغيب) بعد ذكر إشكالات واردة على المجبرة: فإن قال قائل: هذه الإشكالات تلزم على قول من يقول بالجبر، وأنا لا أقول بالجبر ولا بالقدر؛ بل أقول الحق حالة متوسطة بين الجبر والقدر وهو الكسب.
فنقول: هذا ضعيف، لأنه إما أن يكون لقدرة العبد أثر في الفعل على سبيل الاستقلال أو لا يكون، فإن كان الأول فهو تمام القول بالاعتزال. وإن كان الثاني فهو الجبر المحض. والسؤالات المذكورة واردة على هذا القول فكيف يعقل حصول الواسطة، انتهى، تمت.
وممَّا يدل على فساد مذهب الجبرية - أن النقاد منهم رجعوا عنه في آخر أيامهم كالغزالي روى ذلك في =