[ذم الفقيه للمجبرة والقدرية وتخاليطه في ذلك]
  رجوع إلى إضافة فعل العبد إليه، وضم أمر آخر وهو الإرادة، وقد قدمنا أنه تعالى لو أراد الواقعات وفيها القبائح فإرادة القبيح قبيحة، وإنما قبحت لكونها إرادة للقبيح من أي فاعل وقعت، وعلى أنا متى قدرنا على خلاف الواقع من أفعاله(١) تعالى لم تلزم ممانعته ø عن إرادته؛ لأنه تعالى يريد الحسن من أفعالنا على وجه الاختيار، ويكره القبيح من أفعالنا على وجه الاختيار، ولو أراد تعالى إلجاءنا وجَبْرنا على أن نفعل وأن لا نفعل ما أمكننا خلاف ذلك، لكن لم يقع شيء من ذلك؛ إذ لو وقع لبطل التكليف واستحقاق المدح والذم والثواب والعقاب، والأمر والنهي، ولكانت أفعاله تعالى أحق بالوقوع من أفعالنا إذا كان كذلك، وكذلك مراداته أحق من مراداتنا، وهذا أصل غلط المجبرة القدرية، وهو أنهم لم يفرقوا بين مشيئة الاختيار ومشيئة الإجبار.
  ومتى عرف ما ذكرنا نفعه في كثير من المواضع، وكان جواباً عن كثير مما يوردونه من ألفاظ المشيئة والإرادة التي في القرآن الكريم وسواه.
[ذم الفقيه للمجبرة والقدرية وتخاليطه في ذلك]
  وأما قوله بعد ذلك: «فقد بان لك أن مقالة المجبرة بأن الإنسان مجبر على أفعاله ملجأ إليها، مضطر إلى فعلها، وأنه لا فعل له أصلاً تجوير للباري تعالى، وإبطال للتكليف وحسم لباب الثواب والعقاب».
  فالجواب: أن هذا منه رجوع إلى أن العبد يفعل أفعاله، وأنها تحصل باختياره حسنها وقبيحها، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
  وأما قوله: «ومقالة القدرية تجهيل للباري تعالى بأمر خلقه، وتعجيز له عن مشيئته فيهم».
  فالجواب: أن هذا الكلام إن أراد به أن هذه الأفعال التي تصدر من العباد
(١) أي: أمره ونهيه وإرادته. انتهى من الإمام الحجة/مجدالدين بن محمد المؤيدي #.