كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذم الفقيه للمجبرة والقدرية وتخاليطه في ذلك]

صفحة 119 - الجزء 2

  ويبين ما ذكرنا ما عَقَّبَهُ به من قَولِهِ: «وظهر لك أن أهل السنة والجماعة قد سلكوا طريقة سليمة من شناعة المقالين، منتظمة لكل واحد من الطرفين، ارتفعت عن تقصير الجبرية، وانحطت عن غلو القدرية؛ فوافقت قوله ÷: «دين الله بين الغالي والمقصر»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «خير الأمور أوساطها» وأن مذهبهم هو الأوسط القويم، ولقد صدق من قال: كلا طرفي قصد الأمور ذميم».

  فالجواب عن ذلك: أنه ذكر هاهنا أن أهل السنة والجماعة سلكوا طريقة سليمة من شناعة المقالتين، واعتقد أن إضافة أفعال العباد إلى الله تعالى شناعة، وأن إضافتها إلى العباد شناعة، وذكر أن هنالك طريقة سليمة؛ فليت شعري كيف يمكن سلوك هذه الطريق والولوج في هذا المضيق؟! أَبِأَنْ يقال: تَعَالَى الله عن خلق أفعال العباد؛ لما فيها من الظلم والفساد، وتَقَدَّسَ أن يكون في العالم فاعل سواه؟!

  فهذا قول بالنفي والإثبات، وخروج عن المعقول؛ لأن محصوله أنها أفعاله وليست بأفعاله، وهذه حماقة لا يبلغها عاقل.

  وأما قوله: «منتظمة لكل واحد من الطرفين».

  فالجواب: أنه قبل هذا حكى أن كل واحدة من المقالتين شناعة، وذكر هاهنا أن مقالته منتظمة لكل واحد من الطرفين؛ فحاصل كلامه: أنه اختص بكل واحدة من الشناعتين وجعله مذهباً له، ولا شك أن من جملة الشناعة من وجه غير ما قدمنا وهو أن يكون قائلاً بأنها - أعني أفعال العباد - من الله تعالى، وهو أحد الطرفين الذي هو مقالة الجبرية، وأنها ليست منه سبحانه بل من أفعال العباد وهو الطرف الآخر؛ فلينظر هو ومن وقف على كتابنا هذا هل مثل هذا يفوه به من له مُسكة من عقل، لكن من جملة البلوى أن يُدْفَعَ العقلاءُ إلى مكالمة مَنْ هذا قوله! ومع ذلك يدعي أنه قد حَصَّلَ ما لم يقل به أحد، وهو لعمري قال