كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذم الفقيه للمجبرة والقدرية وتخاليطه في ذلك]

صفحة 122 - الجزء 2

  في الرواية؛ فقال: (ثم يعذبه عليها)، ولم يقل إن شاء، ولا قال: إن كان كافراً ولا قال: يعذبه مدة ثم يخرجه من النار.

  وأما ما حكاه من قوله: «فقال له السائل: فهل أمرهم مفوض إليهم؟ فقال: (الله أعز من أن يجوز في ملكه ما لا يريد)، فقال له السائل: فكيف ذاك إذاً؟ فقال: (أمر بين الأمرين، لا جبر ولا تفويض)».

  فالكلام في هذا: أن السائل لما قال: فهل أمرهم مفوض إليهم؟ يعني - والله أعلم -: هل خلق الله تعالى لهم الشهوات ومكنهم من اللذات وأنشأ لهم الآلات والجوارح وأنعم عليهم ومكنهم بما أنعم به عليهم من جميع ذلك من استعماله فيما يحسن وما يقبح عقلاً وشرعاً، ولم يكلفهم الإتيان بالواجب وإن شق فعله على النفوس، وترك المعاصي والقبائح وإن صعب عليهم مفارقتها؟ وما أمرهم ولا نهاهم، ولا زجرهم ولا وعدهم على فعل ما أمرهم بفعله وترك ما نهاهم عنه بالثواب الدائم، والنعيم الخالص من الروح والراحة؟ ولا توعدهم على مخالفة أمره بترك الواجب ومواقعة القبائح بالعقاب الدائم الخالص؟

  فأجاب # بما يقتضيه علمه البارع بأن الله أعز من أن يجوز في حكمه ما لا يريد يعني مواقعة القبائح والتظالم والتفاسد من غير زجر ولا نهي ولا أمر؛ لأنه يكون منه سبحانه إغراء بفعل ما قبح في العقول، وخلاف ما جاء به الكتاب والرسول.

  وأما قوله: «فقال السائل: فكيف ذاك إذاً؟ فقال: (أمر بين الأمرين، لا جبر ولا تفويض)».

  فالكلام فيه: أنه لما نفى أن يكون تعالى أجبرهم، ونفى أن يكون سبحانه خلق لهم الشهوات ومكنهم من اللذات الحسن منها والقبيح، وأهملهم بغير تكليف ولا أمر ولا نهي ولا وعد ولا وعيد - فقال #: (أمر بين الأمرين) وهو أنه أنعم عليهم بما ذكرنا، وكلفهم الإتيان بالواجب وجعله شاقاً عليهم،