كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[مباحث في علم الله وعقل الإنسان واستطاعته وقدرته والعصمة]

صفحة 124 - الجزء 2

  لا اختصاص لذاته بمعلوم دون معلوم؛ لأن الذي يخصص ذلك حصول العلوم التي بها يعلم المخلوقون، وهو تعالى مستغن عن ذلك؛ فهو سبحانه عالم في الأزل قبل وجود الأشياء بما يكون، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

  وأما قوله: «ثم خلق الإنسان فجعل له عقلاً يرشده».

  فالجواب: أن هذا قول صحيح وهي العلوم التي يتميز بها المكلف من الطفل والمجنون والبهيمة، وسائر الحيوانات، وفيه اعتراف بأن العقل يدرك به ما يستدل عليه من الأمور النظرية وسوى ذلك، وهو خلاف ما ذكر فيما قبل وبعد من أن العقل لا يكفي في شيء من ذلك، وخلاف نهيه عن التهور في المعقول، وأمره بالاعتماد على المنقول⁣(⁣١).

  وكذلك قوله: «واستطاعة يصح بها تكليفه» فإن فيه إفصاحاً بأن الاستطاعة وهي القدرة لا توجب الفعل، وأنها متقدمة؛ لأنه يصح بها تكليفه على ما قال، والصحة متقدمة على الوقوع؛ فقد وجدت القدرة على قوله قبل الوقوع، وهو حال الصحة فثبت تقدمها، وأنها غير موجبة، ولهذا قال: يصح بها تكليفه؛ فكأنه قال: إنها حاصلة له حال التكليف، وهو قبل حال الفعل؛ لأنه لا يكلف بما قد وقع؛ فلا بد من تقدمها، وكذلك لا يصح تكليف من لا استطاعة له؛ لأنه قال: يصح بها تكليفه، فكأنه قال: من لم يستطع فقد استحال تكليفه، وكل هذه الأمور إنما تصح على مذهب أهل العدل دون من قال: إن القدرة موجبة للفعل، ولا يصح بها بل يقع لا غير، وأنها غير متقدمة، وأن التكليف


(١) قال ¥ في التعليق: الظاهر أن الأشاعرة إنما ينفون إدراك العقل للحسن والقبح من جهته، ولا يقولون: لا يستدل بالعقل على أمر، ولذا إنهم يركبون الأدلة على دعاويهم وليست سمعية، بل بنظر العقل؛ حتى إنهم لا يتم لهم استدلال بالسمع إلاَّ بواسطة نظر العقل وإدراكه، فإن نفى الفقيه إدراك العقل أصلاً فَمِنْ تخاليطه، فهو من مضنتها، تمت. وسيأتي في المجلد الثاني ما يفيد أنه على جهة الإلزام وقد نبَّه عليه في (الحاشية). تمت.