[مباحث في علم الله وعقل الإنسان واستطاعته وقدرته والعصمة]
  وأما قوله: «لا من جهة علمه السابق فيهم».
  فالجواب عنه: أنه اعترف هاهنا أن العلم السابق غير موجب لحصول الفعل المعلوم، وهو قول صحيح ما لم ينقضه.
  وأما قوله: «فهم يتصرفون بين مطيع وعاص، وكلهم لا يعدو علمه السابق؛ فمن علم الله منه تعالى أنه يختار الطاعة؛ فلا يجوز أن يختار المعصية، ومن علم الله منه أنه يتخير المعصية؛ فلا يجوز أن يتخير الطاعة».
  فالجواب: أن قوله: فهم يتصرفون بين مطيع وعاص، إنما يصح إذا كانوا هم الفاعلين للطاعة والمعصية دون أن يخلقهما الله تعالى فيهم، وأنهم غير مجبولين على ذلك.
  وأما قوله: «وكلهم لا يعدو علمه السابق».
  فإن أراد أن الله تعالى يعلم أفعالهم، وتكون على ما علم وهم الفاعلون لها باختيارهم - فهو قول صحيح.
  وإن أراد أنها حصلت لأجل علمه تعالى؛ فهو قول باطل من وجهين(١):
  الأول: أن علمه تعالى ليس بموجب للمعلوم، وإنما يتعلق العلم بالمعلوم على ما هو به، من دون أن يؤثر فيه، كما قدمنا ذلك مفصلاً.
  وإن أراد أن العلم يؤثر في المعلوم فقد أبطلناه، وأبطل أيضاً ما قدمه من قوله: لا من جهة علمه السابق، فنفى بذلك أن يكون حدوث الفعل لأجل العلم.
(١) قال ¥ في التعليق: ينظر أين الوجه الثاني؟ ولعله: إقرار الفقيه بأنه ليس في علم الله بالأمور إجبار ... إلخ ما مر له. تمت.
ولكون علم الله ليس بمؤثر يتعلق بالمعدوم ولا يصح أن يؤثر فيه، وكذا يتعلق بفعل الغير وليس بمؤثر فيه. ثم يلزم أن لا يكون الله تعالى مختاراً لتعلق علمه بأفعاله ولاختصاص لمعلوم دون معلوم؛ بل أفعاله سبحانه وأفعال غيره سواء بالنسبة إلى علمه.