[مباحث في علم الله وعقل الإنسان واستطاعته وقدرته والعصمة]
  وأما قوله: «فمن علم الله تعالى منه أنه يختار الطاعة فلا يجوز أن يختار المعصية ...» إلى آخره.
  فالجواب: أنه إن أراد بذلك أن العلم هو الذي أوجب حصول الطاعة أو المعصية - فقد بينا أن العلم غير موجب لشيء من الأشياء، على أنه قد ذهب إلى ذلك بقوله: «وحصول الفعل لا من جهة العلم».
  وإن أراد بالجواز أنه لا يحل ويأثم بذلك؛ فالجواب يختلف: أما المعصية فلا يجوز فعلها، وأما الطاعة فيجوز فعلها بل يجب إذا كانت من قبيل الواجبات.
  وإن أراد أنه يستحيل القدرة على خلاف المعلوم - فهو قول باطل؛ لأن الله تعالى كلّف الكافر الإيمان، وقد علم الله تعالى أنه لا يؤمن؛ فلو كان غير قادر عليه لكان تكليفه قبيحاً؛ لأن تكليف ما ليس في الوسع والطاقة قبيح كما يقبح تكليف الأعمى بنقط المصحف على جهة الاستقامة، وتكليف المقعد بالعَدْوِ مع الخيل العربية، وتكليف أحدنا حمل الجبال الشاهقة وحالتنا ما نحن عليه من القوة، وهو تعالى لا يفعل القبيح لعلمه بقبحه وغنائه عنه.
  وأما قوله: «ولو جاز ذلك لم يكن علم الله تعالى موصوفاً بالكمال، ولكان كعلم المخلوق الذي يمكن أن يقع الأمر كما علم، ويمكن أن يقع بخلاف ما علم، وليس في علم الله تعالى للأمور قبل وقوعها إجبار على ما توهمه المجبرون».
  فالجواب: أن الله تعالى موصوف بالكمال على كل حال؛ لأنه تعالى لا يجوز عليه الجهل بحال من الأحوال.
  وأما قوله: «ولكان كعلم المخلوق الذي يمكن أن يقع الأمر كما علم، ويمكن أن يقع بخلاف ما علم».
  فالجواب عنه: أن العلم تعلقه على وجه واحد بالمعلوم وهو أنه يتعلق به