كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[افتراء الفقيه على أهل العدل بأن الله عندهم ليس عفو ولا غفور، وغير ذلك والرد عليه]

صفحة 135 - الجزء 2

  دخوله الجنة والنار عنده إنما هو بالأعمال، والأعمال عنده داخلة تحت قدرة الآدمي، ولا قدرة لله تعالى عليها؛ فأين وجه الافتقار إلى رحمة الله على أصل معتقده».

  فالجواب: أن حكايته عن أهل العدل قال: موضوع أصولهم أنه تعالى ليس بعفو ولا غفور حكاية زور وبهتان؛ بل الله سبحانه يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، كما ذكر في كتاب الكريم، ودل عليه دليل العقل السليم، من أن العقاب حق لله تعالى، واستيفاء حقه لا يجب عليه سبحانه، وذلك يخالف الثواب عقلاً؛ فإن الثواب حق للعبد المستحق له على فعل الطاعة وترك المعصية مع إلزام الله تعالى له ذلك على وجه الاختيار، مع اقتران المشقة التي هي شرط في التكليف بفعل الواجب وترك القبيح؛ فما هذا الكذب الصريح على أهل هذا المذهب الصحيح؟!

  وإنما نقول: إن السمع أوجب القطع على أحد المجوزين في العقل، وهو أنه أوجب إنزال العقاب بمن يستحقه، فقطعنا على ذلك؛ لأن خبر الحكيم سبحانه لا خلف فيه ولا تبديل.

  وقد ورد الوعيد عاماً في الكفار والفساق؛ فقضينا بثبوت ذلك لما دل عليه دليل العقل والسمع.

  أما دليل العقل: فإن إخلاف وعيد الله سبحانه - وهو تعالى عالم بالعواقب وما تؤول إليه الأمور - يكشف عن كون الخبر بعقابهم كذباً، والكذب قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح؛ لما قدمنا من الدلالة على ذلك.

  وأما السمع: فقد قال الله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ٣٠}⁣[ق]، وقال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ١٣ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ١٤} ... إلى قوله: {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ١٦}⁣[الانفطار]، واسم الفاجر يجمع الكافر والفاسق.