كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[افتراء الفقيه على أهل العدل بأن الله عندهم ليس عفو ولا غفور، وغير ذلك والرد عليه]

صفحة 136 - الجزء 2

  وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}⁣[الزلزلة]، وقال تعالى فيما يقطع دابر القدرية والمرجئة: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ١٢٣}⁣[النساء]، ولفظ السوء يجمع الصغيرة والكبيرة والفسوق والكفر؛ فيخرج صاحب الصغيرة بقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}⁣[النساء: ٣١]، فسمى الله تعالى التي ليست بكبيرة سيئة، وذكر سبحانه أنها مُكَفَّرَة.

  وكذلك يخرج من هذه العمومات التائبون بدليل العقل والسمع:

  أما العقل: فلأن التوبة جارية مجرى الاعتذار من الإساءة، ولا شك أن من جنى على غيره جناية ثم اعتذر إليه اعتذاراً صادقاً فإنه يسقط لومه وذمه؛ فلو ذمه بعد ذلك لعُد مسيئاً، وذلك ظاهر.

  وأما الشرع: فظاهر أيضاً في قوله تعالى بعد عد السيئات: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ}⁣[الفرقان: ٧٠]، وذلك كثير في القرآن الكريم يعرفه الجميع؛ فقد بان بما ذكرنا أن قولَه [أي الفقيه] في الكبيرة: إنّ الله لا يغفرها، قولٌ باطل وحكايةٌ كاذبة.

  وأما بعد ورود السمع فإن الله تعالى يعذب أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها؛ فإنا نقطع على ذلك وإلا كان فيه دلالة تكذيب خبره ø كما قدمنا، وهل الكلام في الفاسق والكلام في الكافر إلا سواء سواء؛ فإن العقل يقتضي جواز العفو عن كل عاص سواء كانت المعصية كبيرة أو صغيرة فسقاً أو كفراً، كما يجوز في المكافأة على المستحق من ذلك؛ فكما أن المخالف لا يجيز العفو عن الكفار، ولا خروجهم من النار بعد سماع ما ورد من الوعيد في القرآن المجيد، كذلك القول في الفساق، فلو قال له قائل في الكفار مثلما قال لنا في الفساق: إنه يجوز من الله العفو عنهم وهو أرحم الراحمين، وهو تعالى غني عن