كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[المعاصي التي تغفر بالتوبة]

صفحة 140 - الجزء 2

  وإن أراد أين الذنب الذي يغفر مع الإصرار وقلة الثواب المزيل لعقابه؟ فلا يقول بذلك إلا جهلة المجبرة القدرية، ويتبعهم على ذلك أكثر المرجئة الحشوية، وهذا مخالف للمعقول والمسموع على ما قدمنا.

  وأما قوله: «فهذا صفو مذهبك وحاصل معتقدك».

  فالجواب: أنا قد زدنا على التزام المذهب بإقامة الأدلة الواضحة على صحته، ولم يَهُلنا قعاقعه وزخارفه المنمقة بالزور، وما بنى عليه من التغرير بنفسه وبأهل نحلته من التمني كما تمناه أهل الكتاب من غفران الذنوب بغير توبة، قال الله ø: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا


= قال في (رياضة الإفهام) مسألة: أبو هاشم: والتائب ليس كمن لم يفعل ذنباً لقوله بالموازنة. أبو علي: بل كمن لم يفعل فيكتب له ثواب كل معصية اجتنبها؛ لأنه بالتوبة صار كالمجتنب لها. قلنا: إذاً لاستوى من كفر مائة سنة ومن كفر لحظة ثم تاب، والمعلوم خلافه. تمت.

أقول: الوجه في قول الإمام: إن التوبة تسقط العقاب بنفسها لا بثوابها ... إلخ - هو أنه قد تقرر أن الكبيرة مِنْ كُفْرٍ باتفاق أو من فسقٍ على قول العدلية تحبط ثواب كل طاعة ويزيد عقابها على ذلك، ولذا يعذب مرتكبها وإن تقدم له من الثواب الكثير الأعظم، فلو كان إسقاط عقاب الكبائر بثواب التوبة لزم بالضرورة أن يكون ثواب التائب أفضل من ثواب الأنبياء؛ بل ومن ثواب الملائكة؛ لأن التوبة قد أسقط ثوابها ما يحبط كل عمل من نبي أو ملك، ولو وقع منهم ذلك كما قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}⁣[الزمر: ٦٥]، فإذا كان ثواب التوبة قد زاد على عقاب كل معصية أو ساواه، وعقاب الكبيرة الواحدة قد زاد على ثواب كل عمل تقدمها - صح قولنا: إنه يلزم من الحكم بأن التوبة تسقط العقاب بثوابها لزوم ما ذكره الإمام (ع)؛ وذلك لأن الزائد على الزائد على الشيء زائد على ذلك الشيء، هذا ما سنح للخاطر، وأرجو الله أن يكون مطابقاً. تمت.

(لطيفة): كنت أقوله نظراً ثم وجدت معناه في (القلائد) وشرحها. وكذا ذكر في هامش الشرح عن القرشي في منهاجه معنى ذلك، فالحمد لله.

نعم، فيتأول حديث: «ويبقى له فضل ... إلخ» بأن المراد به فضل على عمل مستأنف، والظاهر يعدل عنه للملجئ، وها [هنا] هو لزوم الأمر المحذور الفاسد، فتأمل.

أو أن للتوبة ثواباً فتسقط بنفسها ويبقى الثواب وإطلاق الفضل عليه مجاز وهو أولى.