كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[افتراء الفقيه على أهل العلم]

صفحة 150 - الجزء 2

  ثم لتندمُنَّ» فقام علي # وهم ينظرون كلهم فبايعه وأجابه إلى ما دعاه إليه؛ فقال: «ادن مني» فدنا منه؛ فقال: «افتح فاك» فمج فيه من ريقه، وتفل بين كتفيه وبين يديه، فقال أبو لهب: بئس ما حبوت به ابن عمك، آخاك فملأت فاه ووجهه بزاقاً؛ فقال رسول الله ÷: «بل ملأته علماً وحكماً وفهماً» وهذا قليل من كثير مما نرويه في هذا الباب.

[افتراء الفقيه على أهل العلم]

  وبطل قوله: «فلم ينقل ذلك من أهل الصدق ناقل، ولا قال به من أهل العلم قائل»، وهو إن كان اعتمد في ذلك على من يروي عنه بعد أن يسبر الأخبار في ذلك فأجمل ما يحمل كلامه عليه أنه لم يتحصل له طريق لذلك، ولكن فليس في ذلك ما يدل على أن غيره لم يحصل له طريق به؛ إذ ليس في كلامه إلا الاعتراف بقصر الرواية، وما جهله أكثر مما علمه؛ فلا يكون جهله دلالة على أن ذلك لم يرد، بل هو شبيه باستدلال الزنجي على أن كل من في الدنيا أسود؛ إذ لم يجد هو إلا السود، واستدلال الرومي بأن جميع من على وجه البسيطة أبيض؛ لأنه ما وجد سوى ذلك، وكذلك استدلال من ينفي الصانع بأنه لم يجد بيضة إلا من دجاجة، ولا دجاجة إلا من بيضة، ولا إنسان إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان، وكما أن هذا كله اعتماد على مجرد الوجدان، وإخبار عن مبلغه من العلم؛ فكذلك ما رامه الفقيه على هذا الوجه.

  وأما أن يدعي على جميع أهل العلم وأقطاب الأرض من رواة الأخبار والسير والآثار أنه ما روى ذلك أحد منهم، فالجواب: أنا قد بينا في الرسالة الأولى ما روينا من الصحاح التي هي عمدة أئمة العامة، وفقهاء الطوائف وعيناها وبيناها بما لو تأمله كان كافياً عما روته العترة وأشياعها، فلولا إغفال قلبه عقوبة عن الذكر لكان فيما ذكرناه ما يمنعه من قوله: «لم يروه أحد» فنسأل الله التوفيق لنا وللمسلمين، وعلى أنه احتمل جسيماً، وافترى عظيما، وقطع بغير