[وجه من المشابهة بين علي وهارون في خبر المنزلة]
  النبي ÷ قد استخلف على المدينة في كل غزوة غزاها رجلاً من أصحابه منهم ابن أم مكتوم، ومحمد بن مسلمة الأنصاري وغيرهما، ولا يدل ذلك على جواز استخلافه بعده».
  فالجواب عن ذلك: أن الفضل أمر منفصل عن النبوة، ولهذا ثبت في كثير من المواضع لمن ليس بنبي، ومتى كان منفصلاً عنها لم يجب باستثناء النبوة أن يكون مستثنى معها، ولهذا لو صرح النبي ÷ بثبوت هذه المنزلة مع استثناء النبوة حتى يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى في كونه أفضل أمة محمد، وفي غير ذلك حتى يسرد منازله، ثم قال: إلا النبوة لصح ذلك ولم يكن فيه ما يتناقض؛ فلو كان هذا الفضل الشامل داخلاً تحت النبوة كما زعمه المخالف لكان هذا الاستثناء مجازاً بل يكون نفياً لنفس ما أثبته، وذلك لا يصح.
  وأما قوله: «ولو لم يكن هارون نبياً لم يكن أفضل أهل زمانه بعد موسى».
  فالجواب: أنه إنما لم يكن غيره أفضل منه لأمر يرجع إلى أن غير النبي من البشر لا يكون أفضل من النبي لأمر يرجع إلى تحمل الرسالة وليس بأمر يرجع إلى أن الفضل داخل تحت النبوة؛ لما قدمنا من أن الفضل قد يحصل لمن ليس بنبي، على أنه قد ذكر ما ينقض هذا الاعتبار من نفسه بقوله: وقد وجد موسى نبياً أفضل منه في وقته كشعيب والخضر الذي أُمِر موسى باتباعه.
  وأما قوله: «ولأنه لم يكن لهارون من موسى بعد موته منازل بحال فيستثني
= رسول الله ÷ والنبي يتكئ على علي بن أبي طالب؛ حتى ضرب بيده على منكبه ثم قال: «يا علي أنت أول المؤمنين إيماناً وأولهم إسلاماً»، ثم قال: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى ... إلخ» رواه الحسن بن بدرالدين، والحاكم، والشيرازي، وابن النجار.
فكيف يقول عمر: (أحب إليّ ممَّا طلعت) ... إلخ، وقد شارك علياً من هو دون عمر عند الناس؟ وكذا يرجع علي وغباره ساطع، رواه أحمد بن حنبل ومحمد بن سليمان عن سعد بن مالك.
ويقول سعد: (أحب إليّ من حمر النعم).
وقد حصل المعنى لمثل ابن أم مكتوم، بل لا يقوله إلاَّ من قلبه مختوم، وعند الله تجتمع الخصوم.