حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الثانية: أن يكونا نكرتين صالحتين للابتداء بهما

صفحة 7 - الجزء 3

  قوله تعالى: {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ}⁣[الأنفال: ٦٢]، {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ}⁣[آل عمران: ٩٦]، وقولهم: «إنّ قريباً مِنْكَ زَيْد»، وقولهم: «بحسبك زيد» والباء لا تدخلُ الخبر في الإيجاب، ولخبريّتها قولُهم: «ما جَاءَتْ حَاجَتُكَ» بالرفع، والأصل: «ما حاجتك»، فدخل الناسخ بعد تقدير المعرفة مبتدأ، ولولا هذا التقدير لم يدخل، إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله وأما مَنْ نصب فالأصل: ما حاجتك، بمعنى: أي حاجة هي حاجتك، ثم دخل الناسخ على الضمير فاستتر فيه؛ ونظيره أن تقول: «زَيْدٌ هو الفاضل»، وتقدّر «هو» مبتدأ ثانياً لا فضلاً ولا تابعاً؛ فيجوز لك حينئذ أن تُدْخِلَ عليه «كان»، فتقول: «زَيْدٌ كَانَ الْفَاضِلَ».

  ويجب الحكم بابتدائية المؤخَّر في نحو: «أبو حنيفة أبو يُوسُفَ». وقال [من الطويل]:

  ٦٩٢ - بَنُونَا بنو أبنائنا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأَبَاعِدِ

  رَعْياً للمعنى، ويضعف أن تقدّر الأول مبتدأ بناء على أنه من التشبيه المعكوس


  قوله: (فإن حسبك الله) نصب النكرة بأن ولا ينصب بها إلا ما كان مبتدأ وكذا تقول فيما بعد. قوله: (ولخبريتها) أي كما هو قول الجمهور. قوله: (ما حاجتك) فما نكرة خبر مقدم وحاجتك مبتدأ مؤخر قوله: (فدخل الناسخ) أي: جاءت لأنه بمعنى صار وحينئذ فما خبر مقدم وحاجتك اسماً مؤخر. قوله: (لم يدخل) أي: الناسخ أصلاً في الكلام لأنه لو جعل ما مبتدأ مقدماً وحاجتك هو الخبر لكان الناسخ إذا دخل إنما يدخل على المبتدأ وهو ما فيلزم أن يكون ما قبل أداة الاستفهام عمل فيها وهو باطل هذا توضيحه قوله: (وأما من نصب) أي: الحاجة بأن قال ما جاءت حاجتك بالنصب. قوله: (فالأصل ما هي حاجتك) أي: وعليه فما مبتدأ أول وهي مبتدأ ثان وحاجتك خبر الثاني فلما دخل الناسخ على هي استتر فيه وانتصب الخبر وهو الحاجة، وحينئذ فتقول في إعراب ما جاءت حاجتك ما اسم استفهام مبتدأ وقوله جاءت فعل ناسخ واسمها مستتر وحاجتك خبر والجملة خبر ما.

  قوله: (فاستتر فيه) أي: فانتصب الحاجة حينئذ على أنها خبر. قوله: (ولا تابعا) أي: لزيد على أنه توكيد له قوله: (ويجب الحكم الخ) هذا كالمستثنى من قوله سابقاً يجب أن يكون الأول مبتدأ إذا تساويا في التعريف فكأنه قال إلا أن تقتضي مراعاة للمعنى


٦٩٢ - التخريج: البيت للفرزدق في (خزانة الأدب ١/ ٤٤٤؛ وبلا نسبة في الإنصاف ١/ ٦٦؛ وتخليص الشواهد ص ١٩٨؛ والحيوان ١/ ٣٤٦؛ والدرر ٢/ ٢٤؛ وشرح الأشموني ١/ ٩٩؛ وشرح التصريح ١/ ١٧٣؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٤٨؛ وشرح ابن عقيل ص ١١٩؛ وشرح المفصل ١/ ٩٩، ٩/ ١٣٢؛ وهمع الهوامع ١/ ١٠٢).