الرابع عشر: التوكيد
  إن «فَعّالاً» ليس للمبالغة بل للنسب كقوله [من الطويل]:
  ١٦٤ - [وَلَيْسَ بِذِي رُمْحٍ فَيَطْعَنَنِي بِهِ] ... وَلَيْسَ بِذِي سَيْفِ وَلَيْسَ بِنبالِ
  أي: وما ربك بذي ظلم؛ لأنَّ اللَّهَ لا يَظْلم الناس شيئاً. ولا يُقال: لقيتُ منه أسداً أو بحراً أو نحو ذلك إلا عند قصد المبالغة في الوصف بالإقدام أو الكرم.
  والسادس: التوكيد بـ «النفس» و «العين»، وجعل منه بعضُهم قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ}[البقرة: ٢٢٨]، وفيه نظر؛ إذ حق الضمير المرفوع المتصل المؤكد بـ «النفس» أو بـ «العين» أن يؤكد أوّلاً بالمنفصل، نحو: «قمتم أنتم أنفسكم»، ولأنّ التوكيد هنا ضائع؛ إذ المأمورات بالتربص لا يذهب الوهم إلى أن المأمور غيرهن، بخلاف قولك: «زَارَنِي الخليفة نفسه»؛ وإنما ذكر «الأنفس» هنا لزيادة البعث على
  المبالغة إذا كانت في حيز النفي ينصب النفي على المبالغة لا على أصلها يجعل ظلام في الآية للمبالغة لفساد ذلك المعنى حينئذ قوله: (كقوله) أي امرئ القيس. قوله: (وليس بذي سيف) صدره وليس بذي رمح فيطعنني به قوله: (وليس بنبال) أي: بذي نبل. قوله: (وما ربك بذي ظلم) أي: فينبغي الظلم رأساً. قوله: (ولا يقال) متتمة الرد الأول والمعنى لا يقال إلا عند قصد إثبات المبالغة ولا يصح دخول النفي عليه فلا تصلح مقالة أبي حيان. قوله: (المبالغة في الوصف) أي: في إثبات الوصف أي ولا يقال ذلك في لأنه النفي يصير النفي منصباً على الكثر. قوله: (بالإقدام) أي: الشجاعة فهو راجع لقوله أسداً والكرم راجع لقوله بحراً قوله: (التوكيد) نحو جاء زيد بنفسه وذهب عمرو بعينه.
  قوله: (وجعل منه بعضهم الخ) فالباء حينئذ زائدة وأنفسهن توكيد للضمير وهو النون في بتربصن. قوله: (إذ حق الضمير الخ) تنظير أول. قوله: (أن يؤكد أو بالمنفصل) أي: وبعده بالنفس والعين والآية لا توكيد فيها بالضمير المنفصل فلا يصح التوكيد بل الباء لصاق متعلق بيتربصن كما أشار لذلك بقوله وإنما ذكر الخ. قوله: (ضائع) أي: لا فائدة له لأن فائدة التوكيد دفع ما يتوهم ثبوته ونفيه وليس هنا توهم قوله: (بخلاف قولك الخ) أي: فإنه يتوهم أن الزائر عبده أو نائبه قوله: (الزيادة الخ) أي: إنه لو حذف الأنفس لم يكن فيه إلا الحث على التربص وليس فيه زيادة الحث عليه فأتى بأنفسهن لزيادة الحث، وبيان ذلك أن النساء لهن الميل للرجال فلو اقتصر على قوله يتربصن لربما تطرقت النساء إلى الميل للرجال وتركن التربص فزاد الحث بقوله بأنفسهن لئلا يستكبرن النساء عنه
١٦٤ - التخريج البيت لامرئ القيس في (ديوانه ص ٣٣؛ وشرح أبيات سيبويه ٣/ ٢٢١؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٣٤١؛ وشرح المفصل ٦/ ١٤؛ والكتاب ٢/ ٣٨٣؛ ولسان العرب ١١/ ٦٤٢ (نبل)؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٥٤٠؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣/ ٧٤٥؛ والمقتضب ٣/ ١٦٢).