العاشر: الاستعلاء
  قوله تعالى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}[الحديد: ١٢]، {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ}[الفرقان: ٢٥]. وجعل الزمخشري هذه الباء بمنزلتها في «شققت السنام بالشفرة» على أن «الغمام» جُعل كالآلة التي يُشَق بها، قال: ونظيره {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ}[المزمل: ١٨]. وتأوّل البصريون {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ٥٩}[الفرقان: ٥٩] على أن الباء للسببية، وزعموا أنها لا تكون بمعنى «عن» أصلاً، وفيه بعد، لأنه لا يقتضي قولك «سألت بسببه» أن المجرور هو المسؤول عنه.
  العاشر: الاستعلاء، نحو: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ}[آل عمران: ٧٥] الآية، بدليل {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ}[يوسف: ٦٤]، ونحو: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ٣٠}[المطففين: ٣٠] بدليل {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ}[الصافات: ١٣٧] وقد مضى البحث فيه، وقوله [من الطويل]:
  قوله: (وبأيمانهم) أي: وعن أيمانهم قوله: (بالغمام) أي: عن الغمام أي ينزل الغمام من السماء بعد أن تنشق والمراد بالغمام الغيم وقيل: هو غيم أبيض رقيق كانت تنزل فيه الملائكة على أنبياء بني إسرائيل فتنزل به الملائكة في الآخرة. قوله: (هذه الباء) أي: الواقعة في الآية الثانية قوله: (بمنزلتها) أي: على أن الغمام جعل كالآلة التي يشق بها فتكون الباء في الآية للاستعانة لا للمجاوزة. قوله: (السنام) هو أعلى ظهر البعير والشفرة السكين العظيمة. قوله: (منفطر به) أي: باليوم السابق في قوله يوماً يجعل الخ، والمراد بانفطاره به انشقاقه به فاليوم آلة في الشق كالسكين أي فأولى أن يشق القلوب فهي آلة مجازي وأما قوله بالغمام فهي آلة حقيقية وإنما ذكر ولم يقل منفطرة لتأويل السماء بالسقف أو إنه على إرادة النسبة أي ذات انفطار به كما تقول امرأة لابن وتامر أي ذات لبن وتمر اهـ دماميني. قوله: (وفيه) أي: وفي هذا التأويل الذي ادعوه بعد. قوله: (لأنه لا يقتضي الخ) أي: مع أن المراد أن المجرور وهو الله هو المسؤول عنه اهـ تقرير دردير. قوله: (لأنه لا يقتضي الخ) أي: بدليل أنك لو سألت بسبب زيد عن شيء آخر ساغ لك أن تقول سألت بزيد والمقصود في مثل فاسأل به خبيراً أن يكون مجرور الباء مسؤولاً. عنه وتأويلهم لا يقتضيه فيكون بعيداً.
  قوله: (بقنطار) أي: على قنطار. قوله: (هل آمنكم عليه) أي: فهذا يدل على أن آمن من يتعدى بعل فحينئذ تكون الباء بمعنى على قوله: (إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل) فقد عدى الفعل المذكور بعلى في موضعين قوله: (وإذا مروا بهم) أي: عليهم على رأي الأخفش.
  قوله: (وقد مضى البحث فيه) أي: بما يقتضي أن تكون الباء في أمروا بهم للإلصاق المجازي، وعلى في لتمرون عليهم للاستعلاء المجازي ولا يقال فيه إن الباء بمعنى على لأنه أمر داعي إليه ولما يلزم عليه التجوز من وجهين. اهـ دماميني.