· (بَلْ) حرفُ إضراب، فإن تَلاهَا جملة كان معنى الإضراب إما الإبطال، نحو: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ٢٦}⁣[الأنبياء: ٢٦] أي بل هم عباد، ونحو: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ}⁣[المؤمنون: ٧٠]، وإما الانتقال من غرض إلى آخر. ووهم ابن مالك إذ زعم في شرح كافيته أنها لا تقع في التنزيل إلا على هذا الوجه، ومثاله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ١٤ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ١٥ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ١٦}⁣[الأعلى: ١٤ - ١٦]، ونحو: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ٦٢ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ}⁣[المؤمنون: ٦٢ - ٦٣]، وهي في ذلك كله حرفُ ابتداء لا عاطفة على الصحيح، ومن دخولها على الجملة قوله [من الرجز]:

  ١٦٦ - بَلْ بَلدِ مِلءُ الفِجَاجِ قَتمَهُ ... [لا يُشْتَرى كَتّانُهُ وَجَهْرَمُهُ]

  عجز بيت لطرفة بن العبد وصدره:

  إلا إنني أشرب أسود حالكاً

  أراد كأس المنية أو السم وقوله ألا بجلي أي كفاني وهو مبتدأ وخبر (بل). قوله: (فإن تلاها جملة) أي: إسمية كما في الآية الأولى أو فعلي كما في الآية الثانية. قوله: (وقالوا اتخذا الرحمن ولداً) أي: من الملائكة. قوله: (أي بل هم عباد) بيان لدخولها على جملة وهذا إبطال لقولهم اتخذ الرحمن ولداً قوله: (أي بل هم عباد) أي: ولم يكن أحد منهم ولداً إذ العبودية تنافي الولادة. قوله: (بل جاءهم بالحق) إبطال لقوله به جنة. قوله: (ووهم) أي: غلط ابن مالك الخ أي لأنها في قوله بل عباد وقوله جاءهم إبطال بالنظر للمقول ويمكن الجواب عنه بأنها للانتقال بالنظر للقول، فإن القول ثابت منهم بدليل أن الله أخبرنا به والحاصل أن ابن مالك راعى القول والمصنف راعى المقول، ولو راعي كل لما قال به الآخر لقال به اهـ تقرير دردير قوله: (إلا على هذا الوجه) وهي كونها للانتقال فجعلها فيما تقدم للانتقال عن القول والحكاية لا عن المقول والمحكي. قوله: (إلا على هذا الوجه) أي: لأن المضرب عنه باطل والباطل لا يقع في القرآن وقد يقال إنه لا يقع فيه جهة الإثبات، وأما على وجه الحكاية فيقع وحينئذ فيقع الإضراب فيه بالنظر للمقول. قوله: (وهي في ذلك كله) أي: سواء كانت للإضراب الإبطالي أو الانتقالي اهـ تقرير دردير. قوله: (على الصحيح) أي: خلافاً لابن مالك وولده من أنها عطفت جملة على جملة.

  قوله: (الفجاج) جمع فج وهو الطريق الواسع بين الجبلين، كذا في «الصحاح»

١٦٦ - التخريج: الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٥٠؛ والدرر ١/ ١١٤، ٤/ ١٩٤؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٧٦، ٤٣١، ٤٤٠؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٣٤٧؛ ولسان العرب ١١/ ٦٥٤ (ندل)، ١٢/ ١١١ (جهرم)؛ والمقاصد النحوية ٣/ ٣٣٥؛ وبلا نسبة في الإنصاف ص ٢٢٥؛ وجواهر الأدب