حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة الرابعة

صفحة 218 - الجزء 3

  من الكذب لفضله غيره، فـ «من» المذكورة ليسَتِ الجارة للمفضول، بل متعلقة بـ «أفعل»، لما تضمنه من معنى البُعْد، لا لما فيه من المعنى الوضعي، والمفضل عليه متروك أبداً مع «أفضل» هذا لقصد التعميم.

  ولولا خشية الإسهاب لأوردت لك أمثلة كثيرة من هذا الباب لتقف منها على العجب العجاب.

  الجهة الرابعة: أن يخرج على الأمور البعيدة والأوجه الضعيفة، ويترك الوجه القريب والقوي، فإن كان لم يظهر له إلا ذاك فله عذر، وإن ذكر الجميع فإن قصد بيان المحتمل أو تدريب الطالب فحسن، إلا في ألفاظ التنزيل فلا يجوز أن يخرج إلا على ما يغلب على الظنّ إرادته، فإن لم يغلب شيء فليذكر الأوجه المحتملة من غير تعسف، وإن أراد مجرد الإغراب على الناس وتكثير الأوجه فصعب شديد، وسأضرب لك أمثلة مما خَرَّجُوه على الأمور المستبعدة لتجتنبها وأمثالها.

  أحدها: قول جماعة في {وَقِيلِهِ}⁣[الزخرف: ٨٠، ثم ٨٥ - ٨٨] إنه عطف على لفظ {السَّاعَةِ}⁣[الزخرف: ٨٥] فيمن خَفَضَ، وعلى محلّها فيمن نَصَبَ، مع ما بينهما من


  ولا نسبته لفاعل ذلك الفعل لأن المصدر لا يضمر فيه ولا يلزم ذكر فاعله والغرض من سبكهما بيان المصدر الحاصل فيهما ولا دخل للفاعل في ذلك والجواب عن النظر الثاني قد ذكرناه: قوله (من غيره) متعلق بفضل ومن بمعنى على ولا يصح أن يكون هو المفضل عليه؛ لأن أبعد مضاف فلا يوصل بمن واندفع اعتراض الدماميني. قوله: (من المعنى الوضعي) أي: التفضيل قوله: (هذا) أي: الذي ذكر بعده من أن يكذب. قوله: (الإسهاب) أي: الإكثار والتطويل قوله (الجهة الرابعة) أي: من الجهات الموجبة لفساد الإعراب. قوله: (أن يخرج) أي: المعرب الكلام.

  قوله: (ويترك الوجه الخ) أل للجنس لأجل أن يصدق بالمتعدد. قوله: (الجميع) أي: القوي والضعيف. قوله: (إلا ذاك) أي: الوجه الضعيف. قوله: (فإن قصد بيان المحتمل) أي: الوجه المحتمل. قوله: (فإن لم يغلب على شيء) أي: فإن لم يغلب على الظن إرادة شيء من الأوجه المحتملة قوله: (من غير تعسف) أي: ولا ينبغي أن يذكر الأوجه البعيدة التي فيها تعسف. قوله: (وسأضرب لك أمثلة) أي: أذكر لك أمثلة وليس. المراد ضرب المثال الذي هو معلوم من تشبيه شيء لأجل التقريب للأفهام كأن يقال مثل العامل الذي لا يعمل مثل الحمار يحمل أسفاراً فليس هذا مراداً قوله: (وأمثالها) عطف على الضمير في تجتنبها. قوله: (إنه عطف على لفظ الساعة) أي: فالمعنى وعنده علم الساعة وعلم قيله أي قيل النبي يا رب قوله: (فيمن خفض) أي: خفض قيله وهما عاصم وحمزة، وقوله فيمن نصب قيله أي وهم ما عدا عاصم وحمزة وقرأ الحسن