بيان أنه قد يظن أن الشيء من باب الحذف، وليس منه
بيان أنه قد يُظَنّ أن الشيء من باب الحذف، وليس منه
  جَرَتْ عادة النحويين أن يقولوا: يحذف المفعول اختصاراً واقتصاراً، ويريدون بالاختصار الحذف لدليل، وبالاقتصار الحذف لغير دليل ويمثلونه بنحو: {كُلُوا وَاشْرَبُوا}[البقرة: ٦٠] أي أوقعوا هذين الفعلين، وقول العرب فيما يتعدى إلى اثنين «مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ» أي تكُن منه خيلة.
  والتحقيق أن يقال: إنه تارة يتعلق الغرضُ بالإعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تَعْيِينِ مَنْ أوقعه أو من أوقع عليه؛ فيُجَاء بمصدره مُسْنَداً إلى فعل كون عام؛ فيقال: حَصَل حَريقٌ أو نَهْبٌ.
  وتارة يتعلق بالإعلام بمجرَّد إيقاع الفاعِل للفعل؛ فيقتصر عليهما، ولا يذكر المفعول، ولا يُنْوى؛ إذ المنوي كالثّابت ولا يُسمّى محذوفاً، لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة ما لا مَفْعُول له، ومنه: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}[البقرة: ٢٥٨]، {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: ٩]، {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}
بيان أنه قد يظن أن الشيء من باب الحذف وليس منه
  قوله: (أي أوقعوا هذين الفعلين وقوله أي تكن منه خيلة) هذا يفيد تنزيلهما منزلة اللازم كما يأتي له في التحقيق لكن هذا لا يناسب قوله والحذف اقتصاراً الحذف لغير دليل لأنه بتنزيل المتعدي منزلة اللام لا يسمى المفعول الغير المذكور حينئذ محذوفاً إلا أن يقال مراده بالحذف لغير دليل عدله الذكر قوله: (والتحقيق) أي: تحقيق ما يقال في مقام الحذف لغير دليل. قوله: (بمصدره) أي: وهو خرق أو نهب لا حريق وفي عبارته قلب تقديره فيجاء بفعل كون عام مسند إلى مصدره، فإن المصدر هو المسند إليه والفعل هو المسند. قوله: (فيقال) أي: في مقام قصد فيه الإخبار بحصول حرق أو نهب من غير إرادة بيان من أوقعه ومن وقع عليه قوله: (بمجرد إيقاع الفاعل للفعل) أي: ولا ينظر إلى مفعول معين ولداً يقولون حذف المفعول يؤذن بالعموم قوله: (ولا يسمى) أي: المفعول الغير المذكور محذوفاً. قوله: (ومنه) أي: من الذي قصد منه الإعلام بمجرد إيقاع الفاعل للفعل، وقوله على الأصح هو قول عبد القاهر والزمخشري وقدر السكاكي المفعول وفيه أنه لو كان المذود غنماً والمسقي غنماً لم يتأت الترحم.