بيان مكان المقدر
بيان مكان المُقَدَّر
  القياس أن يقدَّر الشيء في مكانه الأصلي، لئلا يخالف الأصل من وجهين: الحذف، ووضع الشيء في غير محله.
  فيجب أن يقدر المفسر في نحو: «زيداً رأيته» مقدَّماً عليه؛ وجوز البيانيون تقديره مؤخراً عنه، وقالوا: لأنه يفيد الاختصاص حينئذ؛ وليس كما توهموا، وإنما يُرْتَكب ذلك عند تعذر الأصل، أو عند اقتضاء أمر معنوي لذلك.
  فالأول نحو: «أَيُّهُمْ رَأَيْتَهُ» إذ لا يعمل في الاستفهام ما قَبْلَه، ونحو: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}[فصلت: ١٧] فيمن نصب، إذ لا يلي «أما» فعل؛ وكنا قدمنا في نحو: «في الدار زيد» أن متعلّق الظرف يقدَّر مؤخَّراً عن «زيد»، لأنه في الحقيقة الخبر، وأصل الخبر أن يتأخر عن المبتدأ، ثم ظهر لنا أنه يحتمل تقديره مقدماً لمعارضة أصل آخر، وهو أنه عامل في الظرف، وأصلُ العامل أن يتقدَّم على المعمول، اللهم إلا أن يقدر المتعلق فعلاً فيجب التأخير، لأن الخبر الفعلي لا يتقدّم على المبتدأ في مثل هذا. وإذا قلت: «إِنَّ خَلْفَكَ زَيْداً» وجب تأخير المتعلق، فعلاً كان أو اسماً، لأن مرفوع «إِنَّ» لا يسبق منصوبَها؛ وإذا قلت: «كانَ خَلْفَكَ زَيْدٌ» جازَ الوجهان، ولو قدرته فعلاً، لأن
بيان مكان المقدر
  قوله: (وإنما يرتكب ذلك) أي: التأخير اعترض بأن البيانيين وإنما قالوا بالتأخير عند وجود المقتضي لذلك كهذين الأمرين لا مطلقاً وقد وافقهم على ذلك حيث قال وإنما يرتكب ذلك عند تعذر الأصل أو اقتضاء أمر معنوي لذلك، وحينئذ فلا وجه للاعتراض عليهم وأجاب الشمني بأنه عند هذين الأمرين مجمع عليه والخلاف عند فقد الأمرين فالمصنف يوجب التقديم والبيانيون يجيزونه قوله: (أمر معنوي) أي: كإفادة الاختصاص. قوله: (وأما ثمود فهديناهم) أي: فلا يقال وأما هدينا ثمود. قوله: (إذ لا يلي أما فعل) أي: لأنه يجب إلصاق أما بالأسماء. قوله: (وكنا قدمنا) أي: في آخر الباب الثالث. قوله: (مؤخراً) أي: وجوباً. قوله: (انه يحتمل) أي: يجوز. قوله: (في مثل هذا) احترازاً مما إذا دخلت كان كما يأتي. قوله: (وجب تأخير المتعلق) أي: وجب تأخيره عن وهو زيد قوله: (فعلاً كان) أي: المتعلق قوله: (جاز الوجهان) أي: تأخير المتعلق بعد الاسم وتقديمه على الظرف.