التنبيه الثاني
  الأول صحة «مرزتُ برجل يُصلّي ولا يلتفت»، والثاني أنَّ أبا حاتم زعم أن ذلك من عجائب هذه البقرة، وإنما وَجْهُ الردّ أن الخبر لم يأتِ بأنَّ ذلك من عجائبها، وبأنهم إنما كلّفوا بأمر موجود لا بأمر خارق للعادة وبأنه كان يجب تكرار «لا» في «ذلول» إذ لا يقال: «مَرَرت برجل لا شاعر» حتى تقول «ولا كاتب» لا يقال: قد تكررت بقوله تعالى: {وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ}[البقرة: ٧١] لأنّ ذلك واقع بعد الاستئناف على زعمه.
  التنبيه الثاني: قد يحتمل اللفظ الاستئناف وغيره، وهو نوعان:
  أحدهما: ما إذا حُمِلَ على الاسْتِئنَافِ احتيج إلى تقدير جزء يكون معه كلاماً، نحو: «زيد» من قولك: «نِعْمَ الرَّجُلُ زيد».
  كانت مذللة وقد حكم أولاً بأنها ليست ذلولاً فجعلها استئنافاً تناقض. قوله: (ولا يلتفت) أي: وكذا زيد يصوم ولا يعقد والأولى أن يمثل بهذا لظهور أن الواو عاطفة بخلافها في المثال الذي ذكره فإنها تحتمل أنها للحال قوله: (والثاني الخ) أي: ويرد اعتراضه الثاني ويرد أيضاً بأن المعنى أنها تثير الأرض من بطرها في قوة المشي. قوله: (وإنما وجه الرد) أي: على أبي حاتم وحاصل الرد أنا لا نسلم إن ذلك من عجائبها لعدم ورود ذلك في خبر أي حديث ولكن اعترض على المصنف بأنه لا يلزم من كونه لم يبلغك خبر بأن ذلك عجائبها إنه لم يرد خبر بذلك في الواقع إذ أبو حاتم ثقة في النقل فلا يفسر إلا بسند. قوله: (من عجائبها) أي: فهي تثير الأرض وليست مذللة للحرث وهذا بخلاف غيرها من البقر فإنه لا يثير غبار الأرض إلا إذا كان مذللاً.
  قوله: (وبأنهم إنما كلفوا بأمر موجود الخ) حاصله أنه يلزم على قوله بالاستئناف أن البقرة التي أمروا بذبحها متصفة بأمر خارق للعادة وهو جمعها بين كونها غير ذلول وبين إثارتها غبار الأرض فيلزم عليه تكليفهم بأمر خارق للعادة. مع أنهم إنما كلفوا بأمر موجود، ويرد هذا الاعتراض بأنهم كلفوا بذبح بقرة موجودة إلا أنها متصفة بأمر خارق للعادة لأنهم لما شددوا شدد عليهم فالتكليف ليس بأمر خارق للعادة وهو الجمع بين الوصفين. قوله: (وبأنه كان يجب الخ هذا) رد للاستئناف في حد ذاته وقوله في ذلول في نسخة لا ذلول أي بعده. قوله: (تكرار لا في ذلول) أي: تكرار لا الواقعة في ذلول أي الداخلة عليه فقوله في ذلول صفة للا لا متعلق بتكرار قوله: (بعد الاستئناف) أي: فهو كلام منقطع عما قبله وقد يقال هو جارٍ على كلام الكوفيين وصرح به السخاوي من أن لا قد تستعمل بمعنى غير فلا يجب تكرار نحو غضبت من لا شيء وجئت بلا زاد أو على قول المبرد ومن وافقه أن لا لا يجب تكرارها في الصفات. قوله: (الثاني) أي: من التنبيهات.
  قوله: (وهو نوعان) أي: واللفظ المحتمل نوعان قوله: (نعم الرجل زيد) فإن جعلت زيداً مبتدأ أو ما قبله خبراً كان زيد لفظاً غير مستأنف، وإن جعلته خبر المحذوف أي هو زيد كان مستأنفاً وعبر المصنف باللفظ لأن المحتمل قد لا يكون جملة كزيد في