حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

· (لما): على ثلاثة أوجه

صفحة 167 - الجزء 2

  «قمتُ فلم تقم»، لأن معناه: وما قمتَ عقيب قيامي؛ ولا يجوز «قمت فلما تقم» لأن معناه: وما قمت إلى الآن.

  الثالث: أن منفي «لما» لا يكون إلا قريباً من الحال، ولا يُشْتَرَط ذلك في منفي «لم»، تقول: لم يكن زيد في العام الماضي مقيماً، ولا يجوز «لما يكن». وقال ابن مالك: لا يُشْتَرط كونُ منفي «لما» قريباً من الحال مثل: «عَصَى إِبْلِيسُ رَبَّهِ وَلَمَّا يَنْدَمْ»، بل ذلك غالِبٌ لا لازم.

  الرابع: أن منفي «لما» مُتَوقَّع ثُبُوته، بخلاف منفي «لم»، ألا ترى أن معنى: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ٨}⁣[ص: ٨] أنهم لم يذوقوه إلى الآن، وأن ذَوْقَهم له مُتَوَقَّع. قال الزمخشري في {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}⁣[الحجرات: ١٤]: ما في «لما» من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد، اهـ. ولهذا أجازوا «لم يقض ما لا يكون» ومنعوه في «لما».

  وهذا الفرق بالنسبة إلى المستقبل، فأما بالنسبة إلى الماضي فهما سِيَّانِ في نفي


  قوله: (وما قمت عقيب قيامي) أي: لأن الفاء للتعقيب وقوله: وما قمت عقيب قيامي، أي بل قمت بعده بمدة. قوله: (لأن معناه وما قمت إلى الآن) قد يقال ما المانع من صحة ترتب استمرار انتفاء قيام المخاطب على قيام المتكلم مع ظهور المعنى هو أنا قمت فرتب على ذلك قيامك فأعقبه انتفاء قيامك إلى الآن فالحق ان هذا أي: عدم جواز اقتران لما بأداة التعقيب لا يترتب على ما ذكره من إفادتها استمرار النفي للحال؛ لأن التعقيب بحسب المبدأ لا ينافي الامتداد بعد قوله: (لا يكون) أي: مبتدأ نفيه إلا قريباً من الحال، وأما آخره فمتصل بالحال كما مر. قوله: (ولا يشترط ذلك الخ) وذلك لأن لما لنفي قد فعل وقد فعل تشعر بالتقريب فكذلك منفيها بخلاف لم فإن منفيها فعل ولا إشعار لها بالتقريب من الحال.

  قوله: (ولما يندم) أي: وانتفى ندمه من حين عصيانه ومعلوم أن حين عصيانه ليس قريباً من حال التكلم قوله: (متوقع ثبوته) أي: غالباً ومن غير الغالب ولا بدليل ندم إبليس ولما ينفعه الندم له غير متوقع حصوله قوله: (قال الزمخشري) هذا دليل لكون منفي لما يتوقع ثبوته قوله: (ما في لما) أي: الذي في لما قوله: (على أن هؤلاء قد آمنوا) أي: لأن التوقع في كلام الله تعالى يحمل على التحقيق وهذا على أن التوقع من المتكلم وذكر الدماميني فيما يأتي أنه أعم. قوله: (ولهذا) أي: لكون منفي لما متوقعاً ثبوته أجازوا الخ. قوله: (لم يفض) أي: لم يحصل ما لا يكون أي: كاجتماع الضدين، أي: لم يحصل اجتماع الضدين ولا تقول لما تحصل اجتماع الضدين؛ لأنه يفيد أنه يحصل الاجتماع في المستقبل أنه لا يحصل أصلاً.