حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الثالث: أن يكون مخبرا عنه فيفسره خبره

صفحة 92 - الجزء 3

  والكوفيون يمنعون من ذلك، فقال الكسائي: بحذف الفاعل، وقال الفراء: يُضمر ويؤخر عن المفسرِ، فإن استوى العاملان في طلب الرفع وكان العطف بالواو، نحو: «قَامَ وَقَعَدَ أَخَوَاكَ»، فهو عنده فاعل بهما.

  الثالث: أن يكون مُخْبَراً عنه فيُفَسِّره خبره، نحو: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}⁣[الأنعام: ٢٩]. قال الزمخشري: هذا ضمير لا يعلم ما يُعْنَى به إلا بما يتلوه، وأصله: إن الحياة إلا حياتنا الدنيا، ثم وضع «هي» موضعَ الحياة لأنّ الخبر يدلّ عليها ويُبَيِّنُهَا، قال: ومنه [من المتقارب]:


  جفا وهو عائد على الأخلاء المتأخر. قوله: (من ذلك) أي: من كون الضمير من أول المتنازعين عائداً على متأخر ثم اختلفوا فقاله الكسائي الخ.

  قوله: (يحذف الفاعل) أي: من كون الضمير من أول المتنازعين فالفاعل عنده اسم ظاهر محذوف فالأصل في ضربني وضربت زيد اضربني زيداً وضربت زيداً فاعترض عليه بأنه قد حذف الفاعل وهو لا يحذف فأجاب إنما فعلت ذلك خوفاً من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة ورد عليه بأن عود الضمير على المتأخر وارد وأما حذف الفاعل فهو شاذ جداً وانظر ماذا يقول في البيت المذكور إذ لا يتأتى كلامهم فيه إلا أن يدعوا ندوره أو شذوذه أو يقولوا أن الواو علامة الجمع تأمل اهـ تقدير در دير. قوله: (يضمر) أي: فاعل أول الفعلين المتنازعين ويؤخر ففي ضربني وضربت زيداً تقديره ضربني وضربت زيداً هو وإنما أخر عن المفسر ولم يقدم عليه فراراً من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة.

  قوله: (فاعل بهما) أي: وحينئذ فلا يضمر للأول ضمير الرفع بخلاف البصريين فإنهم يوجبون أن يقال قاما وقعد أخواك وقوله: فاعل بهما اعترض بأنه يلزم عليه ورود عاملين على معمول واحد وهو ممنوع ولعله يجيزه فراراً من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة. قوله: (مخبراً عنه) أي: بمفرد فمفسر مفرد وهذا بخلاف ضمير القصة والشان فإنه لا يخبر عنه إلا بجملة فمفسره جملة قوله: (إن هي إلا حياتنا) إن نافية وهي مبتدأ وقوله: إلا حياتنا الدنيا خبر له قوله: (وأصله الخ) أي: وإنما فعل ذلك لأن التفصيل بعد الإجمال أوقع في النفس.


= الأشموني ١/ ١٧٩، ٢٠٤؛ وشرح التصريح ٢/ ٨٧٤؛ والمقاصد النحوية ٣/ ١٤؛ وهمع الهوامع ١/ ٦٦، ٢/ ١٠٩).

اللغة: شرح المفردات: جفوني: ابتعدوا عنّي. الأخلاء: ج الخليل، وهو الصديق.

المعنى: يقول: إن أصدقائي قد ابتعدوا عنّي في حين أنني لم أبتعد عنهم، ولا أذكر إلا جميلهم وأتناسى كل قبيح صدر عنهم.