التاسع عشر: قولهم في السين و «سوف»: حرف تنفيس
  الضيق - وهو الحال - إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال.
  وهنا تنبيهان - أحدهما: أن الزمخشري قال في {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ}[التوبة: ٧١]: إن السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة، فهي مؤكدة للوعد، واعترضه بعضُ الفضلاء بأن وجودَ الرحمة مستفاد من الفعل لا من السين، وبأن الوجوب المشار إليه بقوله: «لا محالة» لا إشعار للسين به؛ وأجيب بأن السين موضوعة للدلالة على الوقوع مع التأخر، فإن كان المقام ليس مقامَ تأخر لكونه بِشَارَةً تمحضَتْ لإفادة الوقوع، وبتحقق الوقوع يصل إلى درجة الوجوب.
  الثاني: قال بعضهم في {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ}[النساء: ٩١]: السين للاستمرار، لا للاستقبال مثل: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} فإنَّها نزلت بعد قولهم: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ}[البقرة: ١٤٢] الآية، ولكن دخلت السِّين إشعاراً بالاستمرار، اهـ.
  والحق أنها للاستقبال، وأن {يَقُولُ} بمعنى: يستمر على القول، وذلك مستقبل؛ فهذا في المضارع نظيرُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا}[النساء: ١٣٦] في الأمر، هذا إن سلم أن قولهم سابق على النزول، وهو خلافُ المفهوم من كلام الزمخشري؛
  الاستقبال إنما تخلص لأصل الاستقبال قوله: (ههنا تنبيهان الخ) قد تقدما في مبحث السين ما عدا الاعتراض على الزمخشري والجواب عنه فإنه زائد على ما سبق. قوله: (فهي مؤكدة للوعد) أي: لأن وعد المولى لا يتخلف. قوله: (مستفاد من الفعل) أي: لأنه يدل على الوجود بعد عدم قوله: (وبتحقق الوقوع) أي: من كون المقام بشارة ووعداً ووعد الكريم لا يتخلف، وقوله وبتحقق الوقوع يصل الخ أي وحينئذ ثم ما قاله الزمخشري وسقط اعتراض بعضهم عليه قوله: (الثاني فإن بعضهم الخ) قد تقدم هذا كله في حرف السين قوله (للاستمرار) أي: أنها تجعل الفعل مستمراً ومتجدداً وقتاً بعد وقت وإن كان قد مضى فأتى بالسين في الآية إشارة إلى أن لعبهم بالمؤمنين أمر مستمر، وإن كان قد مضى وحاصله أن رجالاً من الكفار وهم أسد وغطفان كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا لأجل أن لا يقاتلوا، وإذا أتوا قومهم كفروا فأتى المولى بالسين في الإخبار عنهم إشارة إلى أن حالتهم هذه مستمرة ولم يتركوها، وإن كان ذلك قد مضى لقوله أن يأمنوكم أي بالإسلام، وقوله ويأمنوا قومهم أي بالكفر وقوله كلما ردوا إلى الفتنة أي دعوا إلى الشر
  أركسوا فيها وقعوا فيها أشد وقوع قوله: (للاستقبال) أي: لأن هذا إخبار عن ماض.
  قوله: (إشعاراً باستمرار) أي: إشعاراً بأن مقولهم هذا مستمر لا ينقطع وإن كان قد مضى. قوله: (وان يقول بمعنى يستمر) أي: وكذا ستجدون بمعنى تستمرون على وجوده. قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} أي فإن المعنى استمروا على الإيمان.