حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الرابع عشر: التوكيد

صفحة 299 - الجزء 1

  وقوله [من البسيط]:

  ١٦٣ - كَائِنُ دُعِيتُ إلى بَأسَاءَ داهِمَةٍ ... فَمَا انْبَعَثْتُ بِمَزْرُودٍ وَلَا وَكِلِ

  ذكر ذلك ابن مالك وخالفه أبو حيان، وخَرَّج البيتين على أن التقدير: بحاجة خائبة، وبشخص مَزْؤود أي: مذعور، ويريد بالمزؤود نفسه، على حد قولهم: «رأيت منه أسداً». وهذا التَّخريج ظاهر في البيت الأول دون الثاني، لأن صفات الذم إذا نفيت على سبيل المبالغة لم ينتف أضلُها؛ ولهذا قيل في: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٤٦}⁣[فصلت: ٤٦]


  وهو حال وركاب أي إبل فاعل وقوله حكيم خبر مقدم ومنتهاها مبتدأ. قوله: (فما رجعت بخائبة الخ) أي: إن الركاب التي منتهاها هذا الأمر لم ترجع خائبة بل رجعت ظافرة بالمقصود. قوله: (كائن) بمعنى كم قوله بأساء أي شدة وقوله: داهمة أي آتية على بغتة وانبعثت أسرعت والمزؤود المذعور الخائف والوكل بفتح الواو والكاف العاجز الذي يكل أمره إلى غيره. قوله (بحاجة) أي فالباء للإلصاق أو للمصاحبة لكن فيه حذف الموصوف وإبقاء صفته بلا دليل وقد يخرج على جعل رجعت من أخوات كان والباء زائدة في الخبر على حد قولهم لم أكن بأعجلهم. قوله: (على جد الخ) أي: ففيه تجريد فانتزع من زيد شخصاً آخر لشدة كمال الشجاعة في زيد، وكذا قوله فما انبعثت الخ أي فجرد من نفسه الكمال شجاعته شخصاً شجاعاً نفى عنه المبالغة في الخوف إذ المعنى فما انبعثت مع شخص كثير الخوف ولا شديد الضعف. قوله: (رأيت منه أسداً) أي: فهو من التجريد وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله فيها مبالغة فالباء حينئذ للملابسة والمصاحبة.

  قوله: (لأن صفات الذم الخ) المناسب أن يقول لأن صفات المبالغة إذا دخل عليها النفي أصلها بل تنتفي الكثرة، وإنما قلنا ذلك لأن ظاهره أن النفي على جهة المبالغة مع أن النفي ليس على سبيل المبالغة ولذا قال الشارح أن قوله على سبيل المبالغة متعلق بحال محذوفة أي حال كون تلك الصفات على سبيل المبالغة لأن المزؤود شديد الخوف والوكل شديد الضعف والمناسب لكلام الشارح أن المبالغة حاصلة من التجريد لا من الصفة فمزؤود معناه الخائف. قوله: (على سبيل المبالغة) أي: وجاءت من التجريد لأنه جرد من نفسه شخصاً متصفاً بالذعور ويكون المعنى لم أنبعث مع شخص موصوف بالذعور التام ومصب النفي على القيد وأصله الذعور ثابت قوله: (ولهذا) أي: ولأجل كون صفات


المعنى: من يقصد حكيم بن المسيب غاية له، لا يعود خائباً، بل يحقق كل أغراضه وزيادة.

١٦٣ - البيت بلا نسبة في (الجنى الداني ص ٥٦؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٣٤٠؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٤١٩).

اللغة: كائن وكأين: اسم بمعنى (كم) الخبرية التي تفيد التكثير. البأساء: المشقة والشر والحرب داهمة مفاجئة. المزؤود الخائف. الوكل: الضعيف والجبان.

المعنى: كم من مرات كثيرة دعوني إلى الحرب والقتال فجأة، فكنت الفارس الذي يجابه، ولم آت مرة خائفاً أو جباناً.