· (قد) على وجهين
  في الجملة الاسمية المجاب بها في إفادة التوكيد. وقد مضى نقل القول بالتقليل في الأولى، والتقريب والتوقع في مثل الثانية، ولكن القول بالتحقيق فيهما أظهَرُ.
  والسادس: النفي، حكى ابن سيده «قَدْ كُنْتَ في خَيْرٍ فَتَعْرِفَهُ» بنصب تعرف، وهذا غريب؛ وإليه أشار في التسهيل بقوله: وربما نُفي بـ «قَدْ» فنُصِبَ الجواب بعدها، اهـ.
  ومَحْمِلُه عندي على خلافِ ما ذُكر، وهو أن يكون كقولك للكذوب: «هُوَ رَجُل صادق»، ثم جاء النَّصب بعدها نظراً إلى المعنى وإن كانا إنما حكما بالنفي لثبوب
  قوله: (في إفادة التوكيد) أي: التوكيد تحقيق الشيء وتقويته. قوله: (في الأولى) وهي يعلم ما أنتم عليه أي تقدم في أول المعنى الثالث. قوله: (في مثل الثانية) هي قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا} ومثلها قوله تعالى: {لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} وقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا} وقد تقدم عن ابن عصفور أن قد في لقد آثرك الله علينا للتقريب، وتقدم عن الزمخشري أنها في لقد أرسلنا نوحاً للتوقع ولما لم يتقدم له شيء في ولقد علمتم قال في مثل الثانية قوله: (ولكن القول بالتحقيق) أي: كما ذكره في هذا الموضع. قوله: (والسادس النفي) فيه أنه سبق أن معانيها خمسة لا ستة وأجيب بأن هذا المعنى لما كان غريباً فناسب أنه لم يذكره في الترجمة لكن المناسب أن يقول لكن زاد ابن سيده معنى سادساً.
  قوله: (النفي) أي: فتكون مرادفة لما قوله: (قد كنت في خير) أي: ما كنت في خير. قوله: (بنصب تعرف) أي: بأن مضمرة بعد الفاء في جواب النفي المحض. قوله: (على خلاف ما ذكرا) أي: ابن مالك وابن سيده والذي ذكره أنها نافية. قوله: (وهو أن يكون) أي: هذا الكلام الذي فيه قد كقولك الخ من جهة أن كلاً من استعمال الإثبات في النفي تهكم واستهزاء، فالمعنى ما كنت في خير لكنه أبرزه في قالب الإثبات تهكماً واستهزاء بالمخاطب وإنما نصب الفعل المضارع بعده نظراً للمعنى وهو نفي، وإن كان اللفظ مثبتاً، فإن قلت إن شرط نصب الفعل المضارع بعد السببية بأن مضمرة وقوعه بعد النفي المحض الصريح والنفي هنا ليس صريحاً، وأجيب بأن هذا شرط لوجوب النصب، وجود النفي المعنوي فمجوز للنصب اهـ تقرير دردير قوله: (وإن كانا) أي: ابن سيده وابن مالك وهو في قوة العلاوة، وكأنه قال لا نسلم أن الكلام نفي بل إثبات معناه النفي على أننا لو حملنا الكلام على النفي لثبوت النصب فقد يقال إن النصب بعد الفاء بأن مضمرة قد ورد في الإثبات وإن كان ضعيفاً كما في قوله:
  سأترك منزلي ني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا
  فوجود النصب لا يدل على الجمل على النفي وهذا قد أشار له ابن مالك بقوله:
  وشد حذف أن ونصب في سوى ... ما مر فأقبل منه ما عدل روى