حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

· (من): تأتي على خمسة عشر وجها:

صفحة 256 - الجزء 2

  وقيل: التَّقدير: من مضي أزمان يوم حليمة، ومن تأسيس أول يوم، ورده السهيلي بأنه لو قيل هكذا لاحتيج إلى تقدير الزمان.

  الثاني: التبعيض نحو {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ}⁣[البقرة: ٢٥٣]، وعلامتها إمكان سد «بعض» مسدّها، كقراءة ابن مسعود {حَتَّى تُنْفِقُوا بَعْضَ مَا تُحِبُّونَ}⁣[آل عمران: ٩٢].

  الثالث: بيان الجنس، وكثيراً ما تقعُ بعد «ما» و «مهما»، وهما بها أولى؛ لإفراط إبهامهما، نحو: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}⁣[فاطر: ٢]، {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}⁣[البقرة: ١٠٦]، {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ}⁣[الأعراف: ١٣٢]، وهي ومخفوضها في من ذلك في موضع نِصْب على الحال؛ ومن قوعها بعد غيرهما {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ


  قبل هذا البيت وهو:

  ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائبِ

  ويوم حليمة يوم مشهور من أيام حرب العرب تضرب العرب به المثل إن أباها يوم الحرث بن أبي شمر أرسل إلى المنذر بن ماء السماء قوماً يقتلونه ثم إنها أخرجت إناء مملوءاً طيباً وفرقته عليهم، ثم إنهم خرجوا للمنذر وقالوا له إن الحرث أرسلنا لكن لترى خاطر لا فاطمأن به، ثم أخذوه بغتة وحصل من الهرج في ذلك اليوم ما حصل.

  قوله: (من أزمان) أي: تخييراً مبتدأ من أزمان الخ. قوله: (كل التجارب) بكسر الراء جمع تجربة وهي مصدر قولك جرب الشيء إذا اختبره وعرفه. قوله: (وقيل التقدير) أي: في البيت والآية أي أن الكلام على حذف مضاف وحينئذ فمن للابتداء في غير الزمان وذلك لأن المعنى أن التخيير مبتدأ من مضي يوم ومن تأسيس أول يوم. قوله: (لاحتيج إلى تقدير الزمان) أي: وحينئذ فرجع الأمر إلى أنها لابتداء الغاية في الزمان وقد يقال إنه لا حاجة لتقدير زمن ولا مانع من جعل نفسي والتأسيس مبدأ كما تجعل الدار مبتدأ للخروج. قوله: (لاحتيج إلى تقدير الزمان) أي: فالأصل من وقت تأسيس أول يوم ومن وقت مضي أزمان. قوله: (بيان الجنس) أي: وهي التي يصح أن يحمل مجرورها على المبين أو يجعل محلها الذي هو. أي الموصول وصلته. قوله: (في ذلك) أي: فيما ذكر من الآيات. قوله: (في موضع نصب على الحال) أي: والمعنى أي شيء ننسخ حالة كونه آية وأي شيء يفتح الله للناس حالة كونه رحمة وأي شيء تأتينا به حالة كونه آية. قوله: (على الحال)


= (حلم)؛ والمقاصد النحوية ٣/ ٢٧٠؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢/ ٢٨٧؛ وابن عقيل ص ٣٥٨).

شرح المفردات: يوم حليمة: من أيام العرب المشهورة في العصر الجاهلي، فيه انتصر الغساسنة على اللخميين، وبه ضرب المثل «ما يوم حليمة بسر».

المعنى: يقول إن سيوف الغساسنة صقيلة اختارها أصحابها من زمن يوم حليمة، وحافظوا عليها إلى اليوم، وقد أظهرت التجارب جودتها وحسن بلائها في رقاب الأعداء.