الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب السادس من أبواب الكتاب: باب المجمل

صفحة 555 - الجزء 1

  قال أبو علي: (وإن صدر من غيره فمجمل) لأن الجمع يحمل على الثلاثة وغيرها من الأعداد، وغير الحكيم قد يخاطب بما لا يسبق إلى الفهم فكان مجملاً.

  قلنا: ظاهر اللفظ البيان لما كان له مجمل يحمل عليه وهو الثلاثة؛ إذ هي المنتفية، فنحمل الخطاب على اليقين وندع المشكوك فيه.

  (ومنها) أي ومما أدخل في المجمل وليس منه (ماله محمل لغوي ومحمل في حكم شرعي)⁣(⁣١) يعني اللفظ قد يرد له محملان، أحدهما أمر لغوي، أي حكم يتعلق باللغة، ويستفاد من اللغوي، والآخر شرعي، أي حكم يتعلق بالشرع، ويستفاد من الشارع، (كقوله ÷ «الطواف بالبيت صلاة») فمحملها اللغوي تسمية الطواف صلاة، والشرعي اشتراط الطهارة في الطواف، (وكقوله ÷ «الاثنان فما فوقهما جماعة») أخرجه البخاري في باب ترجمة باب، وأورد ما يؤدي معناه، وأخرجه ابن ماجة والدار قطني في سننهما والطحاوي في شرح معاني الآثار، وأبو يعلى في مسنده، والحاكم في صحيحه، كلهم من حديث الربيع بن زيد بن عمر، عن أبيه، عن جده عمر بن حداد السعدي، عن أبي موسى وهو ضعيف لضعف الربيع، لكن في الباب عن أنس وابن عمير عند البغوي في معجمه، وعن عبد الله بن عمر وعند الدار قطني في أفراده، وعن أبي أمامة عند الطبراني في الأوسط، وفي لفظ أحمد عنه ÷ رأى رجلاً يصلي وحده فقال: «ألا تتصدق على هذا فتصلي معه» فقام رجلاً فصلى معه فقال: «هذان جماعة»، وعن أبي هريرة وآخرين.

  فهذا الحديث في الجملة، (يحتمل أنه أراد أنهما جماعة لغة) فيكون الإثنان أقل الجمع، (ويحتمل أنه أراد انعقاد الجماعة) في الصلاة (بهما) وحصول فضيلتها (فيجب تأخرهما) إذا كانا مع إمام (خلف الإمام كالجماعة) الثلاثة فصاعداً، [وكذلك يحتمل «الطواف بالبيت صلاة» أنه أراد أنه مشتمل على الدعاء الذي هو صلاة لغوية، ويحتمل أنه أراد كونه كالصلاة حكماً في افتقاره إلى الطهارة]⁣(⁣٢).


(١) في هامش النسخة (أ) ورمز لها بالتصحيح، مالفظه: فلهذا قال محمل ومحمل، ولم يقل معنيان، بخلاف المسألة الآتية فإنها في اللفظ الذي يكون له معنى وضع اللفظ له لغة، ومعنى وضع اللفظ له شرعاً، والحاصل أن المنظور فيه في هذه المسألة حكم المعنى، سواء كان المعنى مسمى الاسم أو لا؟ وفي الآتية مسمى الاسم متفرع عليها، وأيضاً: فالآتية مبنية على القول بالحقائق الشرعية، بخلاف هذه فافترقا، فاعرف.

(٢) ما بين القوسين ضرب عليه في الأصل من هامش النسخة (أ).