الباب السادس من أبواب الكتاب: باب المجمل
  (و) هذا (ليس بمجمل وفاقاً للجمهور) من العلماء، وإنما كان كذلك (لحمله على المحمل الشرعي لتحدده) بعد اللغوي، فكان كالطارئ عليه، (ولأنه) أي الرسول (÷ لم يبعث لتعريف اللغة) وإنما بعث لتعليم الشرائع، فكان قرينة موضحة للدلالة فلا إجمال.
  وقال (الإمام) يحيى (والغزالي: بل) هو (مجمل؛ إذ) اللفظ قرينة تصلح للمحمل اللغوي والشرعي؛ لأنه هو المفروض، و (لا مرجح لأحدهما على الآخر) لعدم الدليل وهو معنى الإجمال.
  قلنا: لا نسلم إنه لم تتضح دلالته، بل يتضح بما ذكرنا من أن عرف الشرع لتعريف الأحكام دون اللغة، وغايته أنها لم تتضح دلالته بدليل خاص فيه، ولا يوجب عدم الدليل الخاص عدم الإتضاح مطلقاً.
  (ومنها) أي ومما أدخل في المجمل وليس منه (ماله مسمى لغوي ومسمى شرعي) كالنكاح فإن معناه لغة الوطء، وشرعاً العقد، والصوم فإن معناه لغة الإمساك عن الكلام وشرعاً الإمساك عن المفطرات من الفجر إلى المغرب مع النية (كقوله ÷) وقد دخل على عائشة: هل عندكم شيء، فقالت: لا، فقال: (إني إذاً لصائم) قالت: فخرج رسول الله ÷، فأهديت لنا هدية أو جاءنا زَوْر، قالت: فلما رجع رسول الله ÷ قلت: يا رسول الله أهديت لنا هدية أو جاءنا زور وقد خبأت لك شيئاً، قال: ما هو؟ قلت: حيس، قال: هاتيه فجئت به فأكل منه، ثُمَّ قال: «قد كنت أصبحت صائماً»، أخرجه مسلم وما في المعنى وهو الثاني، وفي رواية الترمذي «فإني صائم»، وهذا في الإثبات، وفي النهي كنهيه عن صوم يوم النحر.
  (و) مثل هذا اللفظ إذا صدر عن الشارع هل يكون ظاهراً في معناه الشرعي أو مجملاً بينهما فاعلم أنه (ليس بمجمل عند أئمتنا والجمهور) من العلماء (مطلقاً) أي في الإثبات والنهي؛ لأن عرف الشارع استعماله فيه، وذلك يقضي بظهوره فيه عند صدوره عنه، فلا إجمال.
  وقال (الباقلاني): هو (مجمل) مطلقاً، أي في الإثبات والنهي، (تفريعاً على ثبوت الحقيقة الشرعية) على مذهب من يثبتها، وإلا فهو منكر لها، فلا يحصل مثل هذا على أصله مستدلاً بأنه يصلح لهما ولم يتضح في شيء منهما فيكون مجملاً.
  قلنا: الجواب منع عدم الإيضاح وبيان كونه متضحاً كما تقدم، فيتضح بما ذكرنا من العرف.
  وقال (الغزالي) بل هو (مجمل) لكن لا مطلقاً بل (في النهي دون الإيجاب)، فليس بمجمل فيه (لحمله فيه) أي في الإثبات (على الشرعي) كما يقوله بخلاف النهي؛ لأن الشرعي ما وافق