(فصل): [في حكم إنكار الأصل لرواية الفرع عنه]
  مسلم بن أبي موسى، عن الزهري، عن النبي ÷ أنه قال: «أيَّما امرأة أنكحت نفسها بغير أذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل»، فأنكره الزهري مع رواية مسلم.
  ومثل ذلك: إنكار سهيل بن أبي صالح حديث القضاء بالشاهد واليمين، وقد رواه عنه ربيعة ثُمَّ كان سهيل يرويه عن ربيعة ويقول: حدثني ربيعة عني أني حدثته، عن أبي أنه ÷ قضى باليمين مع الشاهد.
  وهذان المثالان إنما يدلان على الوقوع لا على وجوب العمل به، إذ لم يذكر في ذلك تصويب الرواية عن الناسي، مع أنه لو صوبه لم يكن حجة ولا إجماعاً؛ إذ لعل بعض الأمة لو سمعه لم يرتضه.
  لنا: على قبوله أن الراوي عدل غير مكذب، فيجب العمل بروايته؛ إذ يصير بالنظر إلى الأصل (كموته وجنونه) فإن عدم تذكر الأصل للحديث هو دون الموت والجنون، فإذا جاز العمل مع الموت جاز مع عدم التذكر.
  وقال بعض (المحدثين والحنفية: يقدح) ذلك (مطلقاً) كالأول؛ لأنه لو جاز ذلك في الرواية لجاز مثله في الشهادة، وعلى أنه لا تقبل شهادة الفرع مع نسيان الأصل.
  قلنا: باب الشهادة أضيق من باب الروية، فقد اعتبر فيه الحرية والذكورة والعدد وامتناع العنعنة وارتفاع الحجاب وعينوا له لفظ أشهد دون لفظ أعلم.
  وقال (الشيخ) الحسن والرازي (إن أنكرها ولم يدع العلم بعدمها قبلت) لما ذكره الأولون، (وإن ادعى العلم بعدمها تعارضتا) لأن كل واحد منهما ثقة، فيحتمل أن يكون المروي عنه قد روى ثُمَّ نسيه، ويحتمل أن يكون الراوي سمعه من غيره ممن ليس بثقة، وأسنده إلى من أسنده إليه سهواً.
  وقيل: لا يعمل به بالاتفاق؛ لأن أحدهما كاذب قطعاً من غير تعيين.
  وقد أجاب المنصور بالله على الشيخ في القول بالتعارض: بأنا نجوز فيمن يعلم قال: اعلم أني ما رويت، أنه ظن ظناً مقارباً للعلم أنه لم يروه وأخبر عن حاله في ذلك، وهذا لا يخرج الراوي عن روايته، وقوله: اعلم أنك قلته أقرب إلى العمل؛ لأنه مثبت، فكان كالشهادتين إذا تعارضتا بنفي وإثبات.
  وقال (الإمام) يحيى (والحفيد): هذه المسألة (محل اجتهاد) فالأمر في ذلك موكول إلى ما يراه المجتهد من قوة أمارة إحدى الجهتين على الأخرى، فربما يكون ذلك مرة باختلاف السامعين، ومرة باختلاف حال الرواية، وما يعتضد به من القرائن التي تصححها أو تزيفها.