الجملة الثانية: الواقعة حالا
  من أحوال عامة محذوفة، وقولُ الفرزدق [من الطويل]:
  بِأَيْدِي رِجَالٍ لَمْ يَشِيمُوا سُيُوفَهُمْ ... وَلَمْ تَكْنُرِ الْقَتْلَى بِهَا حِينَ سُلْتِ
  لأن تقدير العطف مفسد للمعنى، وقولُ كعب ¥ [من البسيط]:
  ٦٥١ - [شُجَّتْ بِذِي شَبَمِ مِنْ مَاءٍ مَحْنِيَةٍ] ... ضَافٍ بِأَبطَحَ أَضْحَى وَهُوَ مَشْمُولُ
  و «أضحى» تامة.
  لأن الاستثناء إنما هو من شيء عام لا من أشياء، والأصل ما تكلم بكلام في حال من الأحوال إلا حال كونه قائلاً خيراً. قوله: (لم يشيموا) أي: لم يغمدوا السيوف بل أخرجوها من غمدها وأظهروها، وقوله ولم تكثر الخ هذه الجملة حالية أي أنهم لم يغمدوها في حال عدم كثرة القتلى بل في حالة كثرتها، وقوله مفسد للمعنى أي لأن المعنى أن السيوف بأيدي رجال لم يغمدوها ولم تكثر القتلى، وإذا انتفى الإغماد والكثرة كان ذلك جبناً وهذا بخلاف المقصود الذي هو المدح؛ وقد يجاب عن صحة العطف أي أنه لم تكثر القتلي لعلو همتهم من حيث أنهم لا يقتلون إلا الشجعان ولا يقتلون رعاع الناس. قوله: (لأن تقدير العطف) أي: وإنما كانت الجملة هنا حالية لأن الخ. قوله: (صاف الخ) صدره:
  شحت بذي شيم من ماء محنية
  صاف الخ وقبله:
  تحلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول
  الظلم بالفتح الريق وقوله كأنه أي الظلم، وقوله منهل بالضم من أنهله سقاه الشراب والمعلول مكرر الشرب أي كأن ذلك الظلم ريق من سقي الراح سقيا معلولاً أي مكرراً، وقوله شجت أي مزجت تلك الراح وقوله شيم بفتح الياء برودة الماء أي مزجت بماء ذي برودة والمحنية منعطف النهر، وقوله مشمول أي هذبته ريح الشمال. قوله: (وأضحى تامة) أي: وحينئذ فقوله وهو مشمول حال لا أن أضحى ناقصة والجملة بعدها خبرها لئلا يلزم عليه اقتران خبر أضحى بالواو مع أنه لا يجوز. (فإن قلت) إنه ورد على قلة فلم لم يجعل هذا منه. (وأجيب) بأن الكلام الفصيح يبعد عن مثل هذا في التخريج.
٦٥١ - التخريج: البيت لكعب بن زهير في (ديوانه ص ٦١؛ ولسان العرب ١١/ ٣٦٧ (شمل)، ١٢/ ٣١٧ (شبم)، ١٤/ ٢٠٦ (حنا).
اللغة: شجت: مزجت الشبم: البرود في الماء، محنية: المنعطف من مجرى الماء. الأبطح: مسيل واسع، فيه رمل ودقاق الحصى. مشمول مرت به ريح الشمال.
المعنى: لقد مزجت مدامي بماء شديد البرودة من منعطف النهر ذي الحصى الكثير الميل وقد لعبت به ريح الشمال فزادته نقاء وقت الضحى.