الثاني: قد يقع بعد القول ما يحتمل الحكاية وغيرها
  على زعمهم، أو الأصل: إن لهم لما يتخيرون، ثم عدل إلى الخطاب عند مواجهتهم، وقد قيل في قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ}[الحج: ١٣] إن «يدعو» في معنى يقول مثلها في قول عنترة [من الكامل]:
  ٦٥٤ - يَدْعُونَ عَنْتَرُ وَالرِّمَاحُ كَأَنَّهَا ... أَشْطَانُ بِثر في لَبَانِ الأدْهَمِ
  فيمن رواه «عَنْتَرُ» بالضمّ على النداء، وإن {مَنْ} مبتدأ، و {لَبِئْسَ الْمَوْلَى} خبره، وما بينهما جملة اسمية صلة وجملة {مَنْ} وخبرها محكية بـ «يدعو»، أي: أن الكافر يقول ذلك في يوم القيامة؛ وقيل: «مَنْ» مبتدأ حُذِفَ خبره: أي إلهه، وإن ذلك حكاية لما يقول في الدُّنيا، وعلى هذا فالأصل يقول: الوثن إلهه، ثم عبر عن الوثن بمَنْ ضَرُّه أقربُ من نَفْعِهِ تشنيعاً على الكافر.
  الثاني: قد يقعُ بعد القول ما يحتمل الحكاية وغيرها، نحو: «أَتَقُولُ مُوسَى فِي
  لما تخيرون. قوله: (أو الأصل الخ) أي: وأما على أن لا يراعى خطابهم على ما يزعمون بل روعي أن أصل الكلام غيبة أي أم لهم الخ ثم عدل للخطاب عند مواجهتهم وحاصله إن جملة إن لكم فيه لما تخيرون محكية بعدما فيه معنى القول سواء روعي ما يزعمونه من أنهم خوطبوا في كتابهم أو لم يراع ما يزعمونه من الخطاب بل روعي أن أصل الكلام غيبة. قوله: (في معنى يقول) أي: وقيل بمعنى يزعم فيتعدى لمفعولين وتكون اللام معلقة عن العمل في المفعولين قوله: (في معنى يقول) أي: فيدعو بمعنى يقول أي يقول هذا اللفظ. قوله: (عنتر) هو منادى مرخم على لغة من لا ينتظر، وأما من رواه بالفتح فيحتمل أنه منادى على لغة من ينتظر ويحتمل أن عنتر مفعول ليدعون ولا شاهد فيه قوله: (أشطان) جمع شطن وهو الحبل قوله: (لبان) بفتح اللام هو الصدر. قوله: (وإن مبتدأ) أي: وهي واقعة على الصنم قوله: (أي إلهه) الأصل إضافته لضمير المتكلم لكن المصنف استبشع التصريح به قوله: (فالأصل) أي: أن الكافر في الدنيا يقول الوثن إلهي ويعتقد ذلك. قوله: (بمن ضره) أي: الضر المسبب عنه وأفعل على غير بابه فلا ينافي ما لا يضره لأن معناه ما لا يؤثر في الضر. قوله: (الثاني) أي من التنبيهان وكذا يقال فيما
٦٥٤ - التخريج: البيت لعنترة في (ديوانه ص ٢١٦؛ والاغاني ٩/ ٢١٢؛ والدرر ٣/ ٥٦؛ وسرّ صناعة الإعراب ١/ ٤٠٣؛ وشرح شواهد المغني ١، ٤٨١، ٢/ ٨٣٤؛ والكتاب ٢/ ٢٤٦؛ ولسان العرب ١٣/ ٢٣٧ (شطن)، ١٤/ ٢٥٨ (دعا)؛ وبلا نسبة في رصف المباني ٢٤٤؛ ولسان العرب ٤/ ٦١٠ (عنتر)؛ والمحتسب ١/ ١٠٩؛ وهمع الهوامع ١/ ١٨٤).
اللغة: شطن: الحبل الذي يدلى في البئر لنزح الماء. لبان: باطن العنق. الأدهم: الحصان الأسود.
المعنى: ينادونني في حومة الميدان والرماح تنهال علي في صعود وهبوط كحبل في بئر ينزح الماء منها.