الثالث: قد يقع بعد القول جملة محكية ولا عمل للقول فيها
  الدَّارِ»، فلك أن تقدر «موسى» مفعولاً أول و «في الدار» مفعولاً ثانياً على إجراء القول مُجْرَى الظن، ولك أن تُقَدِّرهما مبتدأ وخبراً على الحكاية كما في قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}[البقرة: ١٤٠] الآية ألا ترى أن القول قد استوفي شروط هذا إجرائِهِ مُجرى الظنّ ومع جيء بالجملة بعده محكية.
  الثالث: قد يقع بعد القول جملة محكية ولا عمل للقول فيها، وذلك نحو: «أَوَّلُ قَوْلِي إِنِّي أَحْمَدُ الله» إذا كسرت «إِنَّ»؛ لأن المعنى: أوّل قولي هذا اللفظ، فالجملة خبر لا مفعول، خلافاً لأبي علي زعَمَ أنَّها في موضع نصب بالقول، فبقي المبتدأ بلا، خبر فقدّر «موجود» أو «ثابت»، وهذا المقدر يستغنى عنه، بل هو مفسد
  بعده الثالث والرابع. قوله: (كما في قوله تعالى أم تقولون الخ) تنظير في قوله ولك أن تقدرها فالآية يتعين فيها الحكاية قوله (استوفي شروط) أي: على قراءة تقولون بالتاء وشروطه أن يكون مضارعاً مبدوءاً بالخطاب وسبقه استفهام وهل القول الملحق بالظن معناه خصوص الظن أو الاعتقاد مطلقاً ظناً أو علماً قولان.
  قوله: (ومع هذا جيء بالجملة بعده محكية) أي: بدليل كسر إن لأن الشروط إنما اعتبرت لجواز أجزاء القول مجرى الظن لا لوجوب ذلك، وقد ألغز الأخ الفاضل الشيخ الفاضل الشيخ أحمد السجاعي:
  أيها الحارق الذي حاز فهما ... في علوم كالشمس نوراً أضاءَ
  ما حكوه من بعد قل ولم ... يعمل له ما الذي يزيل خفاءَ
  وأجاب الأخ الفاضل الشيخ محمد الأمير:
  يا عربيا عمى بنظم كدر ... زاد حسنا نظم له وبهاء
  بدء قولي إني حميد لربي ... مخبر بالمحكي بجلو العماء
  قال هذا المحقق ابن هشام ... في كتاب يعطي اللبيب غناء
  قوله: (جملة محكية) أي بالقول معنى الحكاية بالقول أن تكون الجملة المذكورة عين المقول، وإن لم يكن القول عاملاً فيها كما هنا إذ لا شك أن جملة. إني أحمد الله هو عين أول المقول ولا عمل للقول فيها أي ليس في محل نصب للقول بل هو خبر عن أول المبتدأ عين الخبر في المعنى فلذا لم يحتج الرابط في الجملة قوله: (إذا كسرت إن) أي: لأن الكسر دليل على الحكاية بالقول قوله: (موجود الخ) أي: فالأصل أول قولي إني أحمد الله موجود قوله: (يستغنى عنه) أي: لأن المعنى تام بدونه يجعل الجملة خبراً عن أول قوله: (لأن أول قولي الخ) حاصله إنه لو قدر الخبر ثابت أو موجود لكان الإخبار في المعنى عن الهمزة أو أن أول القول باعتبار الحروف الهمزة وباعتبار الكلمات إن أي أول حروف هذا القول أو أول كلماته موجود وليس هذا مراد المتكلم بل غرضه أن يخبر