الخامس: قد يوصل بالمحكية غير محكي
  كل فعل قلبي، ولهذا انقسمت هذه الجملة إلى ثلاثة أقسام:
  أحدها: أن تكون في موضع مفعول مقيد بالجار، نحو: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ}[الأعراف: ١٨٤]، {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا}[الكهف: ١٩]، {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ١٢}[الذاريات: ١٢]، لأن يقال: فكرتُ فيه، وسألتُ عنه، ونظرتُ فيه، ولكن علقت هنا بالاستفهام عن الوصول في اللفظ إلى المفعول، وهي من المعنى طالبة له على معنى ذلك الحرف.
  وزعم ابن عصفور أنه لا يُعَلِّقُ فعل غير «عَلِم» و «ظَنَّ» حتى يُضمن معناهما، وعلى هذا فتكون هذه الجملة سادة مسد المفعولين.
  واختلف في قوله تعالى: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}[آل عمران: ٤٤]
  قوله: (فعل قلبي) أي: كل فعل دل على معنى قائم بالقلب كعلم وتفكر ونظر وعرف وقوله ولهذا أي ولأجل كون التعليق فيه جائزاً في كل فعل قلبي. قوله: (هذه الجملة) أي: التي علق الفعل عن العمل فيها.
  قوله: (في موضع مفعول مقيد الخ) يعني أن الجملة حلت محل الجار والمجرور فمن ثم كان معنى الجار ملاحظاً فيها كما سيقول ولا يلاحظ أن الأصل كان جار داخلاً عليها حتى يرد قول الدماميني يستلزم النصب بنزع الخافض وهو سماعي لا يخرج عليه هذا التركيب الشائع أو حذف حرف الجر وإبقاء عمله وهو أشد، واختار تقدير العلم أي يسألون ليعلموا أيان يوم الدين الخ. قوله: (بالجار) أي: يتعدى إليه الفعل بواسطة الجار معلوم أن المفعول بواسطة الجار في محل نصب فتكون الجملة محل نصب. قوله: (ما يصاحبهم) ما نافية ويصاحبهم خبر مقدم ومن جنة مبتدأ مؤخر والجملة في محل نصب معمول ليتفكروا على معنى في أي أو لم يتفكروا في عدم جنة صاحبهم. قوله: (أيها أزكى الخ) أيها مبتدأ وأزكى خبر وطعاماً تمييز والجملة في محل نصب معمول لينظر على معنى في أي فلينظر في جواب هذا الاستفهام قوله: (لأنه يقال) علة لقوله مقيد بالجار. قوله: (ولكن علقت) أي: تلك الأفعال والتعليق منع العامل عن العمل في اللفظ بواسطة الأداة وهذا ظاهر في قوله تعالى أيان يوم الدين وفي قوله أيها أزكى، وأما قوله ما يصاحبكم فالظاهر أن ما نافية لا استفهامية، وحينئذ ففي كلامه اكتفاء والأصل بالاستفهام أو بما النافية قوله: (وهي) أي: تلك الأفعال قوله: (طالبة له) أي: لذلك المفعول قوله: (غير علم وظن الخ) أي: وحينئذٍ فالأفعال الثلاثة في الآيات السابقة مضمنة معنى علم. قوله وعلى هذا أي: ما زعمه ابن عصفور وسيأتي رده بأن باب التضمين غير مقيس. قوله: (سادة مسد المفعولين) أي: لأن الشيء حمل على ما تضمنه. قوله: (واختلف في قوله تعالى) أي: واختلف في العامل في أي من قوله تعالى.