حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجملة الثالثة الواقعة مفعولا

صفحة 476 - الجزء 2

  فالعامل معلق عن الجملة، وهو عامل في محلّها النصب على أنها مفعول ثان، وخالف في ذلك بعضهم، لأن الجملة حكمها في مثل هذا أن تكون في موضع نصب، وأن لا يؤثر العامل في لفظها وإن لم يوجد مُعلّق، وذلك نحو: «علمتُ زَيْداً أبوه قائم»؛ واضطرب في ذلك كلام الزمخشري، فقال في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}⁣[هود: ٧] في سورة هود: إنما جاز تعليق فعل البَلْوَى لما في الاختبار من معنى العلم، لأنه طريق إليه، فهو مُلابس له، كما تقول: «انْظُرْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ وَجْهَا، وَاسْتَمِعْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ صَوْتاً»، لأنّ النظر والاستماع من طريق العلم، اهـ.

  ولم أقف على تعليق النظر البَصَري والاستماع إلأ من جهته؛ وقال في تفسير الآية في سورة الملك: ولا يسمى هذا تعليقاً، وإنما التعليق أن يُوقع بعد العامل ما يسدُّ مَسَدَّ منصوبَيْهِ جميعاً كـ «علمت أيهما عمرو» ألا ترى أنه لا يفترق الحال -


  فالعامل معلق عن (الجملة) أي: عن العمل في لفظ الجملة قوله: (وخالف في ذلك بعضهم) أي: وهو الحق وحاصله أن بعضهم يقول الجملة إذا اقترنت بمعلق ووقعت بعد المفعول الأول لا يكون العامل معلقاً عنها لأن الجملة في مثل هذا تكون في محل نصب مفعولاً ثانياً ولا يؤثر العامل في لفظها وإن لم يوجد معلق وإذا كان العامل لا يؤثر في لفظها عند عدم المعلق فلا يقال أن العامل معلق عنها عند وجود المعلق. قوله: (أن تكون في موضع نصب) أي: على أنها مفعول ثان قوله: (علمت زيداً أبوه قائم) أي: فجملة أبوه قائم لم يعمل العامل في لفظها ولم يوجد معلق. قوله: (واضطرب) أي: اختلف رأيه فتارة جعلها معلقة وتارة لا. قوله: (ليبلوكم أيكم) الكاف مفعول أول وجملة أيكم أحسن معلقة. قوله: (لما في الاختبار) بالباء الموحدة أي الذي هو البلوى. قوله: (طريق إليه) أي: فيكون من جملة الفعل القلبي. قوله: (أيهم أحسن) فانظر يتعدى لمفعول مقيد بحرف الجر فجملة أيهم أحسن في محل نصب مفعول لأنظر والنظر هنا بالبصر لا أنه بمعنى العمل، وكذا يقال فيما بعده فقوله كما تقول الخ تنظير في كون التعليق يأتى في الفعل المؤدي للعلم، وإن لم يكن أصل الفعل يتعدى لمفعولين.

  قوله: (ولم أقف الخ) ذكر الرضى أن أفعال الحواس تعلق لأنها طرق للعلم ولم ينقل كتاب الرضى للقاهرة إلا بعد موت المصنف كما ذكره عبد القاهر البغدادي في شرح شواهده على الكافية، وقد سبق للمصنف نحوه آنفاً في أما ترى ههنا قوله: (ولا يسمى هذا) أي: وقوع الجملة المقرونة بالمعلق بعد المفعول قوله: (أن يوقع بعد العامل) أي: بلصقه من غير فصل بالمفعول الأول وقوله أن يوقع الخ هذا الحصر بالنظر لما يتعدى لمفعولين أو بالنظر لتضمين جميع العوامل معنى علم، وقد حاول بعضهم التوفيق بين كلاميه بحمل التعليق المثبت على اللغوي قوله: (ألا ترى أنه لا يفترق الحال) أي: حال جزأي الجملة من وفقهما.