حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الثالث: المبدلة

صفحة 493 - الجزء 2

  والمحل لذلك المجموع، وأما كل منهما فجزء الخبر؛ فلا محل له، فافهمه فإنه بديع.

  ويجب على هذا أن يُدعى أن الفاء في ذلك وفي نظائره من نحو: «زَيْدٌ يَطِيرُ الذُّبَابَ فَيَغْضَبُ» قد أُخْلِصت لمعنى السببية، وأخرجت عن العطف، كما أن الفاء كذلك في جواب الشرط، في نحو: «أَحْسَنَ إِلَيْكَ فُلان فَأَحْسِنُ إِلَيْه»، ويكون ذكر أبي البقاء للعطف تجوزاً أو سهواً.

  ومما يلحق بهذا البحث أنه إذا قيل: «قالَ زَيْدٌ عَبْدُ اللَّهِ مُنْطَلِقٌ وَعَمْرِرٌ مُقِيمٌ فليست الجملة الأولى في محل نصب والثانية تابعة لها، بل الجملتان معاً في موضع نصب، ولا محل لواحدة منهما، لأن القول مجموعهما، وكل منهما جزء للمَقُولِ، كما أَنَّ جُزأي الجملة الواحدة لا محلّ لواحد منهما باعتبار القول، فتأمله.

  الثالث: المبدلة، كقوله تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ٤٣}⁣[فصلت: ٤٣]، فـ «إنّ» وما عملت فيه بدل من «ما» وصلتها، وجاز إسناد يقال إلى الجملة كما جاز في {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ


  وجملة الجواب والشرط الاثنين في محل رفع خبر عن زيد وليست إحداهما في محل. قوله: (زيد) مبتدأ ويطير فعل مضارع والذباب فاعل فيغضب الفاء لمجرد السببية وليس فيها رائحة العطف ويغضب فعل مضارع والفاعل ضمير يعود على زيد وكل من الجملتين أعني يطير الذباب ويغضب في محل رفع خبر عن زيد بدليل أنا اكتفينا فيهما بضمير رابط. قوله: (وأخرجت عن العطف) أي: فلا يصح جعلها للعطف لأنه يقتضي المغايرة والتشريك في الإعراب فيفيد أن كلاً من الجملتين له محل مع أنه ليس كذلك. قوله: (كما أن الفاء كذلك) أي: لمعنى السببية وأخرجت عن العطف؛ لأن العطف على فعل الشرط يدل على أنه فعل الشرط والفرض أنه جوابه وهذا تناقض. قوله: (فأحسن إليه) يحب أن تكون الفاء للسببية لا للعطف لأنه يلزم عطف الإنشاء على الخبر وهو لا يجوز. قوله: (ويكون الخ) كلام مستأنف قوله: (تجوزاً) أي: لكونها على صورة العاطفة وإن لم تشرك في الإعراب. قوله: (لأن المقول مجموعهما يحتمل كما في الدماميني أن كل واحدة لها محل كما لو اقتصر عليها وجزء المقول مقول. قوله: (جزء) أي: للجملة أعني عبد الله ومنطلق. قوله: (ما يقال لك إلا ما قد قيل) أي: إلا الذي قد قيل للرسل من قبلك فأبدل من الذي هي مفردة لأنها موصولة قوله إن ربك الخ. قوله: (من ما وصلتها) فيه تسمح لما سبق أن المحل للموصول الإسمي وحده قوله: (وجاز إسناده الخ) أي: أن المسند إليه إنما يكون مفرداً. قوله: (إلى الجملة) أعني: قوله إن ربك الخ، فإن قوله إلا ما قد قيل الخ نائب فاعل والجملة بدل منه قوله: (كما جاز الخ) أي: وإنما جاز لكون الجملة أريد لفظها وحينئذ فيحكم لها بحكم المفرد قوله: (وإذا قيل إن وعد الله حق) أي: