حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

حكمهما بعد المعارف والنكرات

صفحة 534 - الجزء 2

  وحيث أعرب فاعلاً فهل عامله الفعل المحذوف أو الظرف أو المجرور لنيابتهما عن «استقر»، وقربهما من الفعل لاعتمادهما؟ فيه خلاف والمذهب المختار الثاني، لدليلين: أحدهما امتناع تقديم الحال في نحو: «زَيْدٌ في الدارِ جَالِساً»، ولو كان العامل الفعل لم يمتنع، ولقوله [من الطويل]:

  ٦٨٧ - [فَإِنْ يَكُ جُثْمَانِي بِأَرْضِ سِوَاكُمُ] ... فَإِنَّ فُؤَادِي عِنْدَكِ الدَّهْرَ أَجْمَعُ

  فأكد الضمير المستتر في الظرف، والضمير لا يستتر إلا في عامله، ولا يصح أن يكون توكيداً لضمير محذوف مع الاستقرار، لأن التوكيد والحذف متنافيان، ولا لاسم


  بالظرف لزم عليه تقديم الخبر الفعلي مع أن الخبر الفعلي يجب أن يؤخر فتعين أن يكون فاعلاً قوله: (وحيث أعرب) أي: المرفوع بعد الظرف فاعلاً أي على جهة الوجوب والراجحية أو المرجو فيه أي وحيث أعرب على أي وجه كان قوله: (لاعتمادهما) إنما كان الاعتماد مقرباً من الفعل لأنه معتمد على المسند إليه خصوصاً ونحو الاستفهام الغالب دخوله على الأفعال. قوله: (امتناع تقديم الحال في نحو زيد في الدار جالساً) أي: فزيد مبتدأ وفي الدار خبر، وقوله جالساً حال ولا يصح أن تقول زيد جالساً في الدار لئلا يلزم تقديم الحال على عاملها المعنوي وهو الجار والمجرور وهو ممنوع، ولو كان العامل الفعل لجاز التقديم لأن الفعل لفظي والعامل اللفظي وهو الفعل والوصف يجوز أن يقدم الحال عليه قوله: (ولو كان العامل الفعل لم يمتنع) قد يجاب عن هذا بأنه لا يلزم من جواز تقديم الحال على العامل الملفوظ به جواز تقديمها عليه إذا أضمر لضعفه بالإضمار ووجوب الحذف. قوله: (ولقوله) عطف على معنى قوله امتناع تقديم وكأنه قال لامتناع، ولقوله وقوله ولقوله الخ هو الدليل والثاني وكأنه قال أحدهما الامتناع الخ وثانيهما لقوله الخ. قوله: (فإن فؤادي الخ) صدره:

  فإن يك جثماني بأرض سواكم

  فإن فؤادي الخ. قوله: (فأكد الضمير المستتر في الظرف) أي: وهو عندك بقوله أجمع. قوله: (إلا في عامله) أي: وحينئذ فالظرف هو العامل في الضمير فإن لم يكن فيه ضمير لوجود المرفوع بعده كان هو العامل في ذلك المرفوع الذي خلف عن الضمير. قوله: (متنافيان) لأن التوكيد للاعتناء والحذف لعدمه اهـ تقرير دردير. لكن سيأتي في خاتمة الباب الخامس أن الخليل وسيبويه أجازا الجمع بين الحذف والتوكيد نحو جاء زيد


٦٨٧ - التخريج: البيت لجميل بثينة في (ديوانه ص ١١١؛ وخزانة الأدب ١/ ٣٩٥؛ والدرر ٢/ ١٩؛ وسمط اللآلي ٥٠٥؛ وشرح التصريح ١/ ١٦٦؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٤٦؛ والمقاصد النحوية ١/ ٥٢٥؛ ولكثير عزة في ديوانه ص ٤٠٤؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١/ ٩٣).

المعنى: يقول مخاطباً بثينة: إذا كان الجسم بعيداً عنكم فإن الفؤاد أبداً بقربكم، أي أنه مقيم على حبها.