حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الثامن: المصدرية

صفحة 147 - الجزء 3

  وقال المتنبي [من الخفيف]:

  أَيَّ يَوْمٍ سَرَرْتَ ني بِوِصَالٍ ... لَمْ تَسُؤْنِي ثَلاثَةٌ بِصُدُودِ

  و «أي» في البيت استفهامية يراد بها النفي، لا شرطيّة؛ لأنه لو قيل مكان ذلك: «إن سررتني» انعكس المعنى لا يقال: يدلُّ على أنها شرطية أن الجملة المنفية إن استؤنفت ولم تُرْبط بالأولى فسد المعنى؛ لأنا نقول: الرَّبْطُ حاصل بتقديرها صفة لـ «وصال»، والرابط محذوف، أي: لم ترعني بعده، ثم حُذفا دفعة أو على التدريج؛ أو حالاً من تاء المخاطب، والرابط فاعلها وهي حال مقدّرة، أو معطوفة بفاء محذوفة فلا موضع لها، أي: ما سررتني غير مقدّر أنك تَرُوعُنِي، ومن روى ثلاثة بالرفع فالحالية ممتنعة، لعدم الرابط.

  الثامن: المصدرية، نحو: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ٢٢٧}⁣[الشعراء: ٢٢٧]،


  بعض في بعض الأحيان وأي في بيت المتنبي وإن كانت كل وبعض وأي ليست أسماء زمان ولا مكان قوله: (لم تسؤني) تقدم للمصنف إنشاده لم ترعني وسيأتي له ذلك في التقدير. قوله: (المعنى) أي: المراد الذي هو أنت ما سررتني يوماً بوصل إلا وقد أسأتني وعاقبتني ثلاثة بفراق وصدود أي فالمعنى أني معذب معك على طول الدوام، ولو جعل المعنى على الشرط لكان المعنى إن سررتني بوصال يوماً لم تحصل لي الإساءة بالفراق لحصول السرور الأول بالوصال فأنا دائم منعم. قوله: (لا يقال الخ) حاصله أنه يلزم على جعل أي للاستفهام الإنكاري فساد وحاصله أنه يلزم عليه أن تكون الجملة المنفية أعني لم ترعني مستأنفة لعدم الربط لها بما قبلها وجعلها استئنافاً يلزم عليه فساد في الكلام وذلك لأن قوله أي يوم سررتني بوصال معناه سلب كلي أي لم يحصل منك. سرور أصلاً، وقوله لم تسؤني الخ معناه إيجاب جزئي أي لم يحصل منك إساءة في بعض الأوقات وإذا انتفت الإساءة في بعض الأوقات ثبت السرور في بعض الأوقات والإيجاب الجزئي يناقض السلب الكلي ولا جاء النقض وإلا من جعل أي استفهامية فتعين جعلها شرطية والأوضح في العبارة أنه كان يقول أنه على جعل أي للاستفهام تكون الجملة الثانية مستأنفة لعدم الرابط وجعلها للاستئناف يلزم عليه فساد المعنى اهـ. تقرير شيخنا دردير.

  قوله: (لا يقال الخ) فيه أنه استدل قبل هذا على إنها غير شرطية بأنه لو قيل مكان ذلك إن سررتني انعكس المعنى فبعد تقريره لفساد المعنى على تقرير الشرطية لا يتجه هذا السؤال وكيف يستدل بالاستئناف على إنها شرطية مع ما تقدم من أن كونها شرطية يوجب انعكاس المعنى. قوله: (ثم حذفا) أي: المضاف والمضاف إليه. قوله: (بفاء محذوفة) أي: فاء السببية وهي تربط ما بعدها بما قبلها قوله: (أي سررتني غير مقدر الخ) راجع لجعلها حالية فالأولى أن يقدمه عندها قوله: (فالحالية ممتنعة لعدم الرابط) قد يقال إن الربط يحصل بتقدير ضمير أي بصدود منك فلا تمتنع الحالية حينئذ اهـ دماميني. قوله: