باب الموصول
  «أمرتُك بكذا» وهو الأكْثَرُ فيشكل؛ لأن شرط حذف العائد المجرور بالحرف أن يكون الموصول مخفوضاً بمثله معنى ومتعلقاً نحو: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}[المؤمنون: ٣٣] أي: منه؛ وقد يقال: إن {اصْدَعْ} بمعنى: أؤمر؛ وأما {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا}[الأعراف: ١٠١] في الأعراف فيحتمل أن يكون الأصل بما كذبوه فلا إشكال، أو بما كذبوا به، ويؤيده التصريح به في سورة يونس؛ وإنما جازَ اختلاف المتعلّق، لأن {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا}[يونس: ٧٤] بمنزلة «كذبوا» في المعنى؛ وأما {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ}[الشورى: ٢٣] فقيل: «الذي» مصدريّة أي: ذلك تبشير الله؛ وقيل: الأصل يبشر به، ثم حذف الجار توسعاً فانتصب الضمير ثم حذف.
  قوله: (أمرتك بكذا) أي: من كون أمر يتعدى للمفعول الثاني بالباء وهذا هو الأكثر. قوله: (معنى ومتعلقاً) أي وهنا الجار إن اختلفا في المتعلق؛ لأن الباء الجارة للموصول متعلقة باصدع والباء الجارة للعائد متعلقة بتؤمر. قوله: (أي منه) أي: فالعائد مجرور بمن كالموصول واتفقا متعلقاً؛ لأن الأول متعلق بتشرب والثاني متعلق بيشربون والمعنى فيهما أي: في الحرفين واحد أي التعدية. قوله: (بمعنى أؤمر) أي: فكل من الجارين متعلق بالأمر فقد اتفق المتعلقان معنى وإن اختلفا لفظاً، وهذه طريقة والحق أنه لا بد في الحذف من كون المتعلقين متوافقين لفظاً ومعنى كالحرفين. قوله: (فيحتمل أن يكون الأصل بما كذبوه) أي: لأن العائد المحذوف منصوب وهو يجوز حذفه. قوله: (بمنزلة كذبوا في المعنى) أي: فقد اتفق المتعلقان في المعنى وقد علمت انها طريقة والحق أن ما في هذه الآية مصدرية والباء سببية. قوله: (مصدرية) هذا بناء على قول ابن مالك والكوفيين إن الذي قد يأتي حرفاً مصدرياً، أي: موصولاً حرفياً لا يحتاج لعائد وهذا القول مردود؛ لأنه لم يثبت أن الذي يأتي حرفاً مصدرياً واستدلالهم بقوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}[التوبة: ٦٩] إذ المعنى كخوضهم مردود لجواز كون الذي موصولاً اسمياً صفة لمصدر محذوف، أي: وخضتم كالخوض الذي خاضوه فحذف الموصوف لقيام الدليل عليه وحذف العائد المنصوب على القياس فالحاصل أن الذي قد ثبت اسميته ولا يعدل عما ثبت إلا بدليل وما استدل به على الحرفية محتمل. قوله: (وقيل الأصل الخ) أي بناءً على أن الذي اسم موصول وهذا القول مردود؛ لأنه يؤدي إلى فتح باب حذف الجار توسعاً فكل ما يوجد مثل هذا يقال إن العائد المحذوف منصوب لحذف الجار أولاً توسعاً، وذلك مؤدٍ إلى عدم اشتراط الشروط المذكورة في حذف العائد المجرور وحينئذ، فالأوجه أن الذي هنا صفة لمصدر محذوف أي: ذلك التبشير الذي بشره فالعائد منصوب اهـ تقرير دردير قوله: (وقيل أصل يبشر به الخ) هذا أحد أقوال ذكرها الزمخشري كما ذكر ما قلناه من انه الأولى لكن ما قلنا إنه الأولى اعترضه أبو حيان بأنه لا يظهر إذ لم يتقدم لفظ التبشير ولا ما يدل عليه من بشر أو شبهه وقد يقال حذف الموصول لدلالة الصلة، فالدليل يكفي ولو متأخراً اهـ تقرير شيخنا دردير قوله: (ثم حذف) أي: فهو