حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

وأما قول سيبويه

صفحة 342 - الجزء 3

  وأما قول سيبويه في قوله [من البسيط]:

  آلَيْتَ حَبَّ الْعِرَاقِ الدَّهْرَ أَطْعَمُهُ ... [وَالْحَبُّ يَأْكُلُهُ فِي القَرْيَةِ السُّوسُ]

  إن أصله: آليت على حب العراق مع إمكان جعله على الاشتغال وهو قياسي، بخلاف حذف الجار، فجوابه أن «أطعمه» بتقدير: لا أطعمه و «لا» النافية في جواب القسم لها الصدر؛ لحلولها محلّ أدوات الصدور، كلام الابتداء و «ما» النافية، وما له الصدر لا يعمل ما بعدَهُ فيما قبله، وما لا يعملُ لا يفسر عاملاً.

  وإنما قال في {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}⁣[الزمر: ٤٦]: إنه على تقدير «يا»، ولم يجعله صفةً على المحل؛ لأن عنده أن اسم الله سبحانه وتعالى لما اتصل به الميمُ المعوّضة عن حرف النداء أشبه الأصوات؛ فلم يجز نعته.

  وإنما قال في قوله [من البسيط]:

  ٨٣٩ - اعْتَادَ قَلْبَكَ مِنْ سَلْمَى عَوَائِدُهُ ... وَهَاجَ أَحْزَانَكَ الْمَكْنُونَةَ الطَّلَلُ


  غير مفسر بمذكور بخلاف لو جعل النصب على الاشتغال فإنه يفيد أن المقصود الدعاء لرجل موصوف بالصفة المذكورة. قوله: (وأما قول سيبويه الخ) هذا شروع في جواب عن أمور بما يتوهم تخريجها على خلاف الأصل أو على خلاف الظاهر فأحب أن يجيب المصنف عنها. قوله: (على الاشتغال) أي: فيقدر أن الأصل آليت أطعم. حب العراق والاشتغال هو الظاهر، فلذا كان قياسياً بخلاف تقدير على فإنه لا دليل عليه، فلذا كان النصب على نزع الخافض سماعياً. قوله: (وإنما قال) أي: سيبويه في قل اللهم فاطر السموات أي وكذا قال ذلك في قل اللهم مالك الملك. قوله: (إنه) أي: فاطر، وقوله على تقدير يا أي انه نداء ثان قوله: (ولم يجعله صفة على المحل) أي: مع أنه الظاهر بخلاف جعله منادى ثانياً فإنه خلاف الظاهر إذ الأصل عدم الحذف ولا دليل على حذف يا. قوله: (أشبه الأصوات) فقد صار مثل هلا إذ الميم بمنزلة صوت مضموم إلى اسم الله مع بقائهما على معنييهما.

  قوله: (الطلل) هو ما شخص من آثار الديار والربع الدار بعينها حيث كانت والقواء بفتح القاف والمد المنزل الذي لا أنيس به وأذاع أفشى ومفعوله محذوف أي أذاع الخضب


٨٣٩ - التخريج: البيتان لعمر بن أبي ربيعة في (شرح المغني ٧/ ٢٦٨ - ٢٦٩، وليسا في ديوانه؛ وبلا نسبة في الخصائص ١/ ٢٩٦ (البيت الأول فقط)، ٣/ ٢٢٦؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ٣٩١؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٩٢٤؛ والكتاب ١/ ٢٨١).

اللغة: العائد: المعروف والصلة. الربع الدار قواء: ربع خال لا ساكن فيه.

المعنى: يقول: لقد اعتاد فؤادك صلة سلمى، وما يجزيه أن تكون قد رحلت، فلمن هذا المطر المخصب ... حتى هو أراه متردداً في النزول.