التنبيه الثاني
  كذلك، لأنه خبر المبتدأ.
  فإن قلت: فكيف تصنعُ بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}[الأحزاب: ٥٦] في قراءة مَنْ رفع، وذلك محمول عند البصريين على الحذف من الأول لدلالة الثاني، أي إن الله يصلي وملائكته يصلون؛ وليس عطفاً على الموضع ويصلون خبراً عنهما، لئلا يتوارد عاملان على معمول واحد؛ والصلاة المذكورة بمعنى الاستغفار، والمحذوفة بمعنى الرحمة، وقال الفراء في قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ٣ بَلَى قَادِرِينَ}[القيامة: ٣، ٤] إن التقدير: بلى ليحسبنا قادرين، والحسبان المذكور بمعنى الظنّ، والمحذوف بمعنى العلم؛ إذ التردد في الادعاء كُفْر، فلا يكون مأموراً به، وقال بعض العلماء في بيت الكتاب [من الخفيف]:
  ٨٤٢ - لَنْ تَرَاهَا - وَلَوْ تَأَمَّلْتَ - إِلا ... وَلَهَا فِي مَفَارِقِ الرَّأْسِ طِيبا
  إن «ترى» المقدّرة الناصبة لـ «طيباً» قلبيَّة لا بَصَرِيَّة، لئلا يقتضي كون الموصوفة
  نسخة وفي أخرى متمنى عنه وهو الذي رأيته بخط المصنف قوله: (لأنه خبر المبتدأ) فالمحذوف وإن طابق لفظه لفظ المذكور لكن تخالفا في المعنى ثم إن في حكاية الإجماع ذلك في ليت ولعل وكان أمراً غريباً لا يحتمل مثله من المصنف فإن الخلاف في على منع المسألة مشهور مذكور في التسهيل وغيره. قوله: (وملائكته يصلون) أي: مع أن الصلاة المذكورة غير الصلاة. الله فلم يتطابقا معنى. قوله: (لئلا يتوارد عاملان) إن والمبتدأ وقوله على معمول هو الخبر. قوله: (والصلاة) أي: والحال إن الصلاة الخ وهذا مرتبط بقوله، وذلك محمول عند البصريين على الحذف من الأول لدلالة الثاني. قوله: (بمعنى الاستغفار) وحينئذ فالصلاة المذكورة مغايرة للمحذوفة في المعنى فلم يتطابقا معنى قوله: (وقال الفراء) الأولى ويقول الفراء أي وكيف يصنع بقول الفراء الخ. قوله: (ليحسبنا) اللام للأمر وقوله والحسبان الواو للحال وقوله والمحذوف بمعنى العلم أي فلم يتطابق الدليل والمدلول في المعنى وان تطابقا في اللفظ قوله: (إذ التردد) أي: وليست المحذوفة بمعنى الظن لأن الخ. قوله: (وقال بعض العلماء) الأولى وبقول بعض الخ. قوله: (إلا ولها) أي: إلا وترى لها في المفارق طيباً.
٨٤٢ - التخريج: البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات في (ملحق ديوانه ص ١٧٦؛ والكتاب ١/ ٢٨٥؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦/ ٣٥؛ والخصائص ٢/ ٤٢٩؛ وشرح المفصل ١/ ١٢٥؛ والمقتضب ٣/ ٢٨٤).
اللغة المفارق: ج مفرق مكان افتراق شعر الرأس.
المعنى: فلن تراها مهما انتظرت إلا وقد علا الشيب رأسها.