حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

السابع والثامن: أن لا يؤدي حذفه إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه

صفحة 363 - الجزء 3

  الأمرين جاز عند البصريين وهشام تقديمُ معمولِ الخبر على المبتدأ في نحو: «زَيْدٌ ضَرَبَ عَمْراً» وإن لم يجز تقديم الخبر، فأجازوا «زَيْداً أَجَلَه أَحْرَزَ»، وقال البصريون في قوله [من الطويل]:

  ٨٤٤ - [قَنَافِذُ هَدَّاجُونَ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ] ... بِمَا كَانَ إِيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوْدَا

  إن «عطية» مبتدأ، و «إياهم» مفعول «عَوَّد»، والجملة خبر «كان»، واسمها ضمير الشأن. وقد خفيت هذه النكتة على ابن عصفور فقال هَرَبُوا من محذور - وهو أن يفصلوا بين «كان» واسمها بمعمول خبرها - فوقعوا في محذورٍ آخر، وهو تقديمُ معمول الخبر حيث لا يتقدَّم خبر المبتدأ وقد بينا أن امتناع تقديم الخبر في ذلك لمعنى مفقود في تقديم معموله، وهذا بخلاف علةِ امتناع تقديم المفعول على «ما» النافية في نحو: «ما ضَرَبْتُ زيداً»، فإنه لنفس العلة المقتضية لامتناع تقديم الفعل عليها، وهو وقوع «ما» النافية فيه حَشْواً.


  الثاني فلإعمال الابتداء في زيد إذ هو مبتدأ بالفرض مع التمكن من إعمال الفعل فيه لتقدمه وعمل الابتداء ضعيف وعمل الفعل قوي وأما حصول الإلباس فظاهر إذ لا يدرى على هذا التقدير هل الجملة اسمية أو فعلية اهـ دماميني قوله: (منع الجميع) أي: جميع البصريين، وأما الكوفيون فيجيزونه قوله: (تقديم معمول الخبر) أي: الفعلي في نحو زيد ضرب عمراً أي فيجوز عمراً زيد ضرب. قوله: (زيداً أجله أحرز) أي: فالأصل أجله أحرز زيداً فأجله مبتدأ وزيداً معمول لأحرز والجملة خبر. قوله: (بما كان إياهم الخ) هو للفرزدق صدره:

  قنافذ هاجون حول بيوتهم

  والقنافذ جمع قنفذ بالمعجمة والهداجون جمع هداج بتشديد الدال المهملة بمعنى متحرك من هدك من الظليم إذا مشى في ارتعاش وعطية والد جرير أي أنه علم قومه السرقة. قوله: (هذه النكتة) يريد بالنكتة علة جواز تقديم معمول الخبر على المبتدأ في نحو زيد ضرب عمراً مع امتناع تقديم قوله: (لمعنى مفقود) أي: وذلك المعنى هو مجموع تهيئة


٨٤٤ - التخريج: البيت للفرزدق في (ديوانه ١/ ١٨١؛ وتخليص الشواهد ص ٢٤٥ وخزانة الأدب ٩/ ٢٦٨؛ ٢٦٩؛ والدرر ٢/ ٧١؛ وشرح التصريح ١/ ١٩٠؛ والمقاصد النحوية ٢/ ٢٤؛ والمقتضب ٤/ ١٠١؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص ١٤٤. وهمع الهوامع ١/ ١١٨).

شرح المفردات القنافذ: ج القنفذ، وهو حيوان صغير، أعلاه مغطى بريش حاد يقي به نفسه، يخرج من مخبأه ليلاً، يضرب به المثل في السرى فيقال: أسرى من القنفذ. هداجون: ج هذاج، وهو صيغة مبالغة من هدج يهدج هدجاناً، وهدج الرجل: مشى بارتعاش. عطية: أبو جرير الشاعر.

المعنى: يقول: إن قوم جرير كالقنافذ يسيرون في الليل طلباً للفحشاء وضروب الرجس كما عودهم عطية والد جرير.