بيان أنه قد يظن أن الشيء من باب الحذف، وليس منه
  [الأعراف: ٣١]، {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ}[الإنسان: ٢٠]، إذ المعنى: ربي الذي يفعل الإحياء والإماتة، وهل يستوي من يَتَّصِفُ بالعِلْم ومن ينتفي عنه العلم، وأوْقِعُوا الأكل والشرب، وذَرُوا الإسراف، وإذا حصلَتْ منك رؤية هنالك؛ ومنه على الأصح {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ}[القصص: ٢٣] الآية، ألا ترى أنّه عليه الصلاة والسلام إنَّما رحمهما إذ كانتا على صفة الذياد وقومهما على السقي، لا لكون مدودهما غَنَماً ومَسْقيهم إبلاً، وكذلك المقصود من قولهم: {لَا نَسْقِي}[القصص: ٢٣] السقي، لا المسقي، ومن لم يتأمل قَدَّر: يَسْقُون إبلهم، وتذودان غَنَمهما، ولا نَسْقِي غَنَمنَا.
  وتارةً يُقْصَدُ إسنادُ الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله؛ فيذكران، نحو: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا}[آل عمران: ١٣٠]، {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}[الإسراء: ٣٢] وقولك: «ما أَحْسَنَ زَيْداً»؛
  قوله: (ومنه على الأصح الخ) ذهب عبد القاهر الجرجاني وصاحب «الكشاف» إلى أن حذف مفعول الأفعال المذكورة في هذه الآية للقصد إلى نفس الفعل وتنزيله منزلة اللازم أي يصدر منهم السقي ويصدر منهم الذود وقالتا لا يصدر منا سقي، وأما كون المسقي إلا والمذود غنماً فخارج عن المقصود بل تقديره يوهم خلاف المقصود إذ لو قيل يسقون إبلهم وتذودان غنمهما لأوهم أن الترحم عليهما ليس من جهة كونهما يصدر منهما الذود ويصدر من الناس السقي بل من جهة أن مذودهما غنم ومسقي الناس إبل ألا ترى أنك إذا قلت ما لك تمنع أخاك كنت منكراً للمنع لا من حيث هو منع بل من حيث هو منع الأخ، ومن المعولم أن كون مذودهما غنماً ومسقي الناس إبلاً لا يوجب الترحم عليهما. قوله: (انه) أي: موسى #.
  قوله: (إذا كانتا على صفة الذياد) وهو امتناعهما من السقي وليس الترحم على منع سقي الغنم فليس القصد المفعول فالآية من الذي نزل منزلة اللازم. قوله: (على صفة الذياد) أي: لأجل كونهما متصفين بالذياد كان المذود غنماً أو إبلاً وقومهما متصفين بالسقي كان المسقي إبلاً أو غنماً قوله: (ومن لم يتأمل الخ) مراده به السكاكي حيث قال في المفتاح أن المفعول في هذه الآية حذف لمجرد الاختصار المراد أنهم يسقون إبلهم وتذودان غنمهما وكذا سائر الأفعال المذكورة في هذه الآية لأن الترحم لم يكن من جهة صدور الذود عنهما وصدور السقي من الناس بل من جهة ذودهما غنمهما وسقي الناس مواشيهم حتى لو كانتا تذودان غير غنمهما وكان الناس يسقون غير مواشيهم مثلاً لم يصح الترحم فتأمل، وتحقيق ذلك أن الشيخين اعتبرا أن المفعول هو الإبل والغنم وأحدهما يقابل الآخر وجعلا ما يضاف إليه أحدهما خارجاً عن المفعول غير ملحوظ معه، فلو قدر في الآية المفعول لأدى إلى فساد المعنى فإنهما لو كانتا تذودان إبلاً لهما على سبيل الفرض لكان الترحم باقياً على حاله وصاحب المفتاح نظر إلى أن المفعول هو الغنم المضافة إليهما والمواشي المضافة إليهم وكل منهما يقابل الآخر، فلو لم يقدر المفعول في