الجهة العاشرة: أن يخرج على خلاف الأصل، أو على خلاف الظاهر، لغير مقتض
  طالق»، فإن الجواب المذكور للسَّابق منهما، وجواب الثاني محذوف مدلول عليه بالشرط الأول وجوابه، كما قالوا في الجواب المتأخر عن الشرط والقسم؛ ولهذا قال محققو الفقهاء في المثال المذكور: إنها لا تَطْلُقُ حتى تقدم المؤخر وتؤخر المقدم، وذلك لأن التقدير حينئذ إن شربتِ فَإن أكلتِ فأنت طالق، وهذا كله حسن، ولكنهم جعلوا منه قوله تعالى: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}[هود: ٣٤]، وفيه نظر: إذ لم يتوال شرطان وبعدهما جواب كما في المثال، وكما في قول الشاعر [من البسيط]:
  ورود أتى بعد شرط آخر قوله: (مدلول الخ) أي: والشرط الأول وجواب متأخر معنى لكونه دليل الجواب قوله: (المتأخر عن القسم) أي: فإنهم جعلوه للأول وجعلوا جواب الثاني محذوفاً مدلولاً عليه بجواب الأول. قوله: (ولهذا قال محققو الفقهاء) أي: من الشافعية إما من المالكية فالطلاق بالجمع بينهما على أي ترتيب كان لاحتمال حذف العاطف وهو الواو كما في قول الشاعر:
  كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يغرس الود في فؤاد الكئيب
  قال الدماميني ولا أدري وجه اشتراط أهل المذهبين مجموع الأمرين في وقوع الطلاق أنه يمكن أن يكون جواب الأول محذوفاً مدلولاً عليه بجواب الثاني أي أن مع أكلت فأنت طالق إن شربت فأنت طالق، وغاية ما فيه حذف الجواب لقرينة ولا محذور فيه بل هو أسهل من تقديرهم لما فيه من الحذف والفصل بين الشرط الأول وجوابه بالشرط الثاني. قوله: (قال ولهذا محققو الفقهاء الخ) توضيحه أنه قد وجد في هذه الصورة شرطان وليس ما فيها ما يصلح للجواب إلا شيء واحد فلا يخلو إما أن يجعل جواباً لهما معاً ولا سبيل إليه لما يلزم عليه من اجتماع عاملين على معمول واحد وهو باطل، وإما أن لا يجعل جواباً لهما ولا سبيل إليه لما يلزم عليه من الإتيان بما لا مدخل له في الكلام وترك ما له مدخل فيه وهو عبث، وإما أن يجعل جواباً للأخير دون الأول وهذا لا سبيل إليه لأنه يلزم عليه أن يكون الثاني وجوابه جواباً للأول فيجب الإتيان بالفاء الرابطة ولا فاء فتعين القسم الرابع وهو يكون جواباً للأول دون الثاني ويكون الأول وجوبه دليل جواب الثاني، فالأصل إن شربت فإن أكلت فأنت طالق وهو لو قال هذا الكلام ولم تطلق حتى تشرب ثم تأكل، فكذا ما هو بمعناه.
  قوله: (حتى تقدم المؤخر الخ) أي: لا تطلق إلا بفعل الأمرين مقدمة للمؤخر. قوله: (إذ لم يتوال شرطان) أي: كما هو الموضوع قوله: (إذ لم يتوال شرطان وبعدهما جواب) أي: وإنما توالى شرطان وتقدم عليهما ما هو جواب في المعنى للشرط الأول.